أوامرهم، ولا غير ذلك، مما يدلّ على أنه يعتقد فيهم حقيقته. انتهى (?).

(يَضْرِبُ بَعْضُكُمْ رِقَابَ بَعْضٍ) بجزم "يضرب" على أنه جواب النهي، وبرفعه على الاستئناف، أو يُجعل حالاً، فعلى الأول يُقوّي الحمل على الكفر الحقيقيّ، ويحتاج إلى التأويل بالمستحلّ مثلاً، وعلى الثاني لا يكون متعلّقًا بما قبله. ويحتمل أن يكون متعلّقًا، وجوابه ما تقدّم. قاله في "الفتح" (?).

وقال العينيّ -رحمه اللَّه تعالى-: قوله: "يضرب" برفع الباء (?)، وهو الصواب، وهو الرواية التي رواها المتقدّمون والمتأخّرون، وفيه وجوه:

[أحدها]: أن يكون صفة لكفّار: أي لا ترجعوا بعدي كُفّارًا، متّصفين بهذه الصفة القبيحة، يعني ضرب بعضكم رقاب بعض.

[والثاني]: أن يكون حالاً من ضمير "لا ترجعوا": أي لا ترجعوا بعدي كُفّارًا حال ضرب بعضكم رقاب بعض.

[والثالث]: أن يكون جملة استئنافيةً، كأنه قيل: كيف يكون الرجوع كفّارًا؟ فقال: يضرب بعضكم رقاب بعض.

فعلى الأول يجوز أن يكون معناه: لا ترجعوا عن الدين بعدي، فتصيروا مرتدّين، مقاتلين، يضرب بعضكم رقاب بعض بغير حقّ على وجه التحقيق، وأن يكون لا ترجعوا كالكفّار المقاتل بعضكم بعضًا على وجه التشبيه بحذف أداته.

وعلى الثاني يجوز أن يكون معناه: لا تكفروا حال ضرب بعضكم رقاب بعض لأمر يعرِض بينكم؛ لاستحلال القتل بغير حقّ، وأن يكون لا ترجعوا حال المقاتلة لذلك كالكفّار في الانهماك في تهييج الشرِّ، وإثارة الفتن بغير إشفاق منكم بعضكم على بعض في ضرب الرقاب.

وعلى الثالث: يجوز أن يكون معناه: لا يضرب بعضكم رقاب بعض بغير حقّ، فإنه فعل الكفّار، وأن يكون "لا يضربُ بعضكم رقاب بعض"، كفعل الكفّار على ما تقدّم.

وجوّز ابن مالك، وأبو البقاء جزم الباء على أنه بدل من "لا ترجعوا"، وأن يكون جزاءً لشرط مقدّر على مذهب الكسائيّ: أي فإن رجعتم يضرب بعضكم رقاب بعض. وقيل: يجوز الجزم بأن يكون جوابَ النهي على مذهب من يُجوّز "لا تكفرْ، تدخلِ النار".

طور بواسطة نورين ميديا © 2015