بعد موتي، أو بعد مجلسي هذا.
وقال العينيّ -رحمه اللَّه تعالى-: قال الطبريّ: أي بعد فراقي في موقفي هذا. وقال غيره: خلافي، أي لا تخلفوني في أنفسكم بعد الذي أمرتكم به. ويحتمل أنه - صلى اللَّه تعالى عليه وسلم - عَلِم أن هذا لا يكون في حياته، فنهاهم عنه بعد وفاته. وقال المظهري: يعني إذا فارقت الدنيا، فأثبتوا بعدي على ما أنتم عليه من الإيمان والتقوى، وِلا تُحاربوا المسلمين، ولا تاخذوا أموالهم بالباطل. وقال يحيى السنّة: أي لا تكن أفعالكم شبيهةً بأفعال الكفّار في ضرب رقاب المسلمين. انتهى كلام العيني -رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى- (?).
وقوله (كُفَّارًا) ذكر في "الفتح" جملة ما قيل في معناه، وهي عشرة أقوال:
[أحدها]: قول الخوارج: إنه على ظاهره.
[ثانيها]: هو في المستحلّ.
[ثالثها]: المعنى كُفّارًا بحرمة الدماء، وحرمة المسلمين، وحقوق الدين.
[رابعها]: تفعلون فعل الكفّار في قتل بعضهم بعضًا.
[خامسها]: لابسين السلاحِ، يقال: كَفَرَ دِرْعه: إذا لبس فوقها ثوبا.
[سادسها]: كُفّارًا بنعمة اللَّه.
[سابعها]: المراد الزجر عن الفعل، وليس ظاهره مرادًا.
[ثامنها]: لا يُكَفِّر بعضكم بعضًا، كان يقول أحد الفريقين للآخر: يا كافر، فَيَكْفُرُ أحدهما (?).
[تاسعها]: المراد سَتْرُ الحقّ، والكفر لغةً الستر؛ لأن حقّ المسلم على المسلم أن ينصره، ويُعينه، فلما قاتله كأنه غطّى على حقّه الثابت له عليه.
[عاشرها]: أن الفعل المذكور يُفضي إلى الكفر؛ لأن من اعتاد الهُجُوم على كبار المعاصي جرّه شؤم ذلك إلى أشدّ منها، فيُخشى أن لا يُختَم له بخاتمة الإسلام.
قال: واستشكل بعض الشرّاح غالب هذه الأجوبة بأنّ راوي الخبر، وهو أبو بكرة، فَهِم خلاف ذلك.
والجواب أن فهمه ذلك إنما يُعرف من توقفه عن القتال، واحتجاجه بهذا الحديث، فيحتمل أن يكون توقّفه بطريق الاحتياط؛ لما يحتمله ظاهر اللفظ، ولا يلزم أن يكون يعتقد حقيقة كفر من باشر ذلك. ويؤيّده أنه لم يمتنع من الصلاة خلفهم، ولا امتثال