في وقوع النسخ. وإنما يخالف في ذلك اليهود، بعضهم في الجواز، وبعضهم في الوقوع، قال في "الكوكب الساطع"، مشيرًا إلى هذا:

النَّسْخُ عِنْدَ الْمُسْلِمِينَ وَاقِعُ ... وَقَائِلُ التَّخْصِيصِ لَا يُنَازعُ

(ومنها): أنه لَمّا سمح اللَّه تعالى بالكفر به، وهو أصل الشريعة، عند الإكراه، ولم يؤاخذ به، حمل العلماء عليه فروع الشريعة كلّها، فإذا وقع الإكراه عليها لم يُؤاخذ به، وَلَمْ يترتّب عليه حكم، وبه جاء الأثر المشهور عن النبيّ - صلى اللَّه تعالى عليه وسلم -: "إنّ اللَّه وضع عن أُمّتي الخطأ والنسيان، وما استُكرهوا عليه" (?). رواه ابن ماجه، وابن حبّان في "صحيحه"، والداقطنيّ، والحاكم في "المستدرك"، وصححه، ووافقه الذهبيّ، وقال عبد الحقّ الإشبيليّ: صحيح الإسناد، كما نقله عنه القرطبيّ في "تفسيره" -10/ 182.

(ومنها): مكانة عثمان - رضي اللَّه تعالى عنه - عند النبيّ - صلى اللَّه تعالى عليه وسلم -، حيث قبل شفاعته فيمن استحلّ دمه، وأمر بقتله في الحلّ والحرم. واللَّه تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب.

(المسألة الرابعة): أجمع العلماء على أن من أُكره على الكفر حتى خشِي على نفسه القتل أنه لا إثم عليه إن كفر، وقلبه مطمئنّ بالإيمان، ولا تَبين منه زوجته، ولا يُحكم عليه بحكم الكفر. هذا قول مالك، والكوفيين، والشافعيّ، غير محمد بن الحسن، فإنه قال: إذا أظهر الشرك كان مرتدًّا في الظاهر، وفيما بينه وبين اللَّه تعالى على الإسلام، وتبين منه امرأته، ولا يُصلّى عليه إن مات، ولا يرث أباه إن مات مسلمًا. قال ابن بطّال: وهذا قول تغني حكايته عن الرّدّ عليه؛ لمخالفته النصوص.

وقال أبو عبد اللَّه القرطبيّ: وهذا قولٌ يردّه الكتاب والسنّة، قال اللَّه تعالى: {إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ} الآية [النحل: 106]، وقال: {إِلَّا أَنْ تَتَّقُوا} الآية [آل عمران: 28]، وقال: {إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ قَالُوا فِيمَ كُنْتُمْ قَالُوا كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الْأَرْضِ} الآية [النساء:97]، وقال: {إِلَّا الْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَالْوِلْدَانِ} الآية [النساء:98]، فعذر اللَّه المستضعفين الذين يمتنعون من ترك ما أمر اللَّه به، والمكره لا يكون إلا مستضعفًا، غير ممتنع من فعل ما أُمر به. قاله البخاريّ (?). واللَّه تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015