في بئر ميمون، وقالوا: اكفر بمحمد - صلى اللَّه تعالى عليه وسلم -، فتابعهم على ذلك، وقلبه كاره، فأنزل اللَّه تعالى: {إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ} الآية. وأخرج عن أبي عُبيدة بن محمد بن عمار بن ياسر، قال: أخذ المشركون عمار بن ياسر، فعذّبوه، حتى باراهم في بعض ما أرادوا، فشكا ذلك إلى النبيّ - صلى اللَّه تعالى عليه وسلم -، فقال النبيّ - صلى اللَّه تعالى عليه وسلم -: "كيف تجد قلبك" قال: مطمئنًّا بالإيمان، قال النبيّ - صلى اللَّه تعالى عليه وسلم -: "فإن عادوا فعد". وأخرج عن الشعبيّ، قال: لَمّا عُذّب الأعبد أعطوهم ما سألوا، إلا خبّاب بن الأرتّ - رضي اللَّه تعالى عنه -، كانوا يُضجعونه على الرَّضف، فلم يستقلّوا منه شيئًا.
قال ابن جرير: فتأويل الآية إذن: من كفر باللَّه من بعد إيمانه إلا من أُكره على الكفر، فنطق بكلمة الكفر بلسانه، وقلبه مطمئنّ بالإيمان، موقنٌ بحقيقته، صحيحٌ عليه عزمه، غير مفسوح الصدر بالكفر، لكن من شرح بالكفر صدرًا، فاختاره، وآثره على الإيمان، وباح به طائعًا، {فَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ مِنَ اللَّهِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ}. ثم أخرج عن ابن عبّاس - رضي اللَّه تعالى عنهما - نحو هذا المعنى، ثمّ قال: فأما من أكره، فتكلّم به لسانه، وخالفه قلبه بالإيمان؛ لينجو من عدوّه، فلا حرج عليه؛ لأن اللَّه سبحانه إنما يأخذ العباد بما عقدت عليه قلوبهم. انتهى (?). واللَّه تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب، وهو المستعان، وعليه التكلان.
مسائل تتعلق بهذا الحديث:
(المسألة الأولى): في درجته:
حديث ابن عبّاس - رضي اللَّه تعالى عنهما - هذا صحيح.
(المسألة الثانية): في بيان مواضع ذكر المصنّف له، وفيمن أحرجه معه:
أخرجه هنا-15/ 4071 - وفي "الكبرى" 15/ 3532. وأخرجه (د) في "الحدود" 4358 مختصرًا. واللَّه تعالى أعلم.
(المسألة الثالثة): في فوائده:
(منها): ما ترجم له المصنّف -رحمه اللَّه تعالى-، وهو بيان حكم توبة المرتدّ، وهو القبول. (ومنها): أن للَّه تعالى الحكمة البالغة في تشريعه، فيحكم بما يريد، ثم ينسخه إذا يريد. (ومنها): جواز النسخ ووقوعه في الشرع، وهو إجماع للمسلمين، وما حكي عن أبي مسلم الأصفهانيّ من المعتزلة أنه سمّاه تخصيصًا، فهو خلاف في التسمية، لا