الحكم المذكور التائب (فَقَالَ) -عَزَّ وَجَلَّ- {ثُمَّ إِنَّ رَبَّكَ لِلَّذِينَ هَاجَرُوا} أي انتقدوا من دار الكفر إلى المدينة تائبين {مِنْ بَعْدِ مَا فُتِنُوا} بالارتداد {ثُمَّ جَاهَدُوا} الكفّار مع النبيّ صلّى اللَّه تعالى عليه وسلم - {وَصَبَرُوا} على ما يلقونه من البأساء والضرّاء في سبيل اللَّه تعالي {إِنَّ رَبَّكَ مِنْ بَعْدِهَا} أي من بعد هذه الخصال المذكورة، من التوبة، والهجرة، والجهاد، والصبر {لَغَفُورٌ} لهم بمحو ما سبق لهم من الجرائم {رَحِيمٌ} بهم بإدخالهم الجنّة.

(وَهُوَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَعْدِ بْنِ أَبِي سَرْحٍ) هذا الكلام من تتِمّة كلام ابن عبّاس - رضي اللَّه تعالى عنهما -، كما هو ظاهر السياق هنا، وعند ابن جرير الطبريّ في "تفسيره" -17/ 308 - فقد أخرجه بسنده عن يحيى بن واضح، عن الحسين بن واقد، بسند المصنّف، ومتنه، فما وقع في نسخة "صحيح النسائيّ" للشيخ الألباني-3/ 853 - من زيادة قوله: "قال أبو عبد الرحمن"، قبل قوله: "وهو عبد اللَّه بن سعد بن أبي سرح" غلط صريح، فإن هذا الكلام ليس للنسائيّ، وإنما هو من تَتِمّة كلام ابن عبّاس - رضي اللَّه تعالى عنهما - بيانًا لسبب نزول الآية، فتنبّه. واللَّه تعالى أعلم.

(الَّذِي كَانَ عَلَى مِصْرَ) أي كان واليًا عليها بعد موت النبيّ - صلى اللَّه تعالى عليه وسلم - في خلافة عثمان - رضي اللَّه تعالى عنهما -، كما تقدّم بيانه (كَانَ يَكْتُبُ) الوحي (لِرَسُولِ اللَّهِ - صلى اللَّه عليه وسلم -، فَأَزَلَّهُ الشَّيْطَانُ) أي حمله على الزلل، وهو الخطأ والذنب. قاله ابن الأثير (?) (فَلَحِقَ بِالْكُفَّارِ) بكسر الحاء المهملة، من باب تعب لَحَاقًا، ولُحُوقًا: أي التجأ إليهم، ولاذ بهم (فَأَمَرَ) - صلى اللَّه تعالى عليه وسلم - (بِهِ أَنْ يُقْتَلَ) بالبناء للمفعول (يَوْمَ الْفَتْحِ) ظرف لـ"أمر" (فَاسْتَجَارَ لَهُ عُثْمَانُ بْنُ عَفَّانَ) أي طلب عثمان - رضي اللَّه تعالى عنه - من النبيّ - صلى اللَّه تعالى عليه وسلم - أن يُجيره من القتل (فَأَجَارَهُ رسُولُ اللَّهِ - صلى اللَّه عليه وسلم -) وقد تقدّم تفصيل قصّته في الباب الماضي.

وقيل في سبب نزول هذه الآية الكريمة، غير ما ذُكر، فقد أخرج الإمام ابن جرير الطبريّ -رحمه اللَّه تعالى- في "تفسيره" عن ابن عبّاس - رضي اللَّه تعالى عنهما - قال: إن المشركين أصابوا عمّار بن ياسر، فعذّبوه، ثم تركوه، فرجع إلى رسول اللَّه - صلى اللَّه تعالى عليه وسلم -، فحدّثه بالذي لقي من قُريش، والذي قال، فأنزل اللَّه تعالى عذره: {مَنْ كَفَرَ بِاللَّهِ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِهِ}، إلى قوله: {وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ} [النحل: 106].

وأخرج عن قتادة، قال: ذُكر لنا أنها نزلت في عمّار بن ياسر، أخذه بنو المغيرة، فغطّوه

طور بواسطة نورين ميديا © 2015