مضطربٌ، وأشار إلى صحّة الطريقين عنه، حيث روى عن النبيّ - صلى اللَّه عليه وسلم -، وقد روى عن عمّه، عن النبيّ - صلى اللَّه عليه وسلم -، وأشار أن روايته بغير واسطة مقتصرة على النهي عن كراء الأرض، ورويته عن عمّه مفسّرة للمراد، وهو ما بينه ابن عبّاس - رضي اللَّه عنهما - في روايته، من إرادة الرفق، والتفضّل، وأن النهي عن ذلك ليس للتحريم. انتهى كلام الحافظ -رحمه اللَّه تعالى-، وهو تحقيقٌ نفيسٌ جدًّا (?).

والحاصل أن حديث رافع بن خَدِيج - رضي اللَّه عنه - صحيح، فلا التفات إلى ما قاله الذين سلكوا مسلكًا غير صواب، مثل القرطبيّ، حيث قال: وعلى الجملة حديث رافع بن خديج مضطربٌ غاية الاضطراب، كما قد وقع في الأصل -يعني "صحيح مسلم" - وفي غيره من كتب الحديث، فينبغي أن لا يُعتمد عليه، وُيتمسّك في جواز كرائها بشيء معلوم بالقياس الذي ذكرناه إلى آخر كلامه.

قال الجامع - عفا اللَّه تعالى عنه -: هذا الذي قاله القرطبيّ (?) مما يُتعجّب منه كثيرًا؛ فكيف ساغ له أن يقول مضطرب غاية الاضطراب، فينبغي أن لا يُعتمد عليه، كيف لا يُعتمد عليه، وقد اعتمده الأئمة الكبار، مثل البخاريّ، ومسلم، وغيرهما من أصحاب الصحاح، ممن له العلم الواسع، والمعرفة التامّة بعلل الحديث، واستنباط الأحكام الفقهية، فصححوه، وأخرجوه في صحاحهم، واستنبطوا منه أحكام المزارعة التي أودعوها في تراجمهم، كقول البخاريّ: "باب كراء الأرض بالذهب والفضّة"، ثم أورد حديث رافع - رضي اللَّه عنه - محتجًّا به، ثم الأعجب من ذلك قوله: وإنما يُتمسّك بالقياس، سبحان اللَّه يُضعّف ما صححه أهل المعرفة بالحديث والفقه، من الدليل النقليّ، ثم يعتمد على الدليل العقليّ، إن هذا لهو العجب العجاب.

وقوله: "أهل الدار": الدار مؤنّثة،، والجمع أَدْوُر، مثل أفلُس، وتُهْمَز الواو، ولا تُهْمَز، وتُقلَبُ، فيقال: آدُرٌ، وتجُمع أيضًا على دِيَار، ودُور، والأصل في إطلاق الدُّور على المواضع، وقد تطلق على القبائل مجازًا. قاله الفيّوميّ.

وقوله: "ثم خشي عبد اللَّه الخ" يعني أن عبد اللَّه بن عمر - رضي اللَّه عنهما -، مع كونه يعدم يقينًا أن الأرض كانت تُكرى في عهده - صلى اللَّه عليه وسلم -، لكنه تورّع، وخشي أن يكون صدر منه - صلى اللَّه عليه وسلم - حكم بالنهي عنها على الإطلاق، فترك الكراء، تورّعًا، لا تحريمًا؛ لأنه لا نسخ بعده - صلى اللَّه عليه وسلم -، وقد كان عبد اللَّه - رضي اللَّه عنه - يعمل به بعده - صلى اللَّه عليه وسلم - إلى آخر خلافة معاوية - رضي اللَّه عنه - بمرأى من الناس، فلو كان منسوخًا لبلغه خبر النسخ، فدلّ على أنه تركه لمجرّد ورع فقط.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015