ليمنها أخاه"، فهذا مفسّر مبين ذُكر فيه سبب النهي، وأُطلق في غيره من الألفاظ، فينصرف مطلقها إلى هذا المقيّد المبيّن، وأن المراد بالنهي هو هذا النوع.
وقال الإمام البيهقيّ -رحمه اللَّه تعالى- في "السنن الكبرى" -6/ 133 - 136 - : "باب من أباح المزارعة بجزء معلوم مشاع، وحمل النهي عنها على التنزيه، أو على ما لو تضمّن العقد شرطًا فاسدًا"، ثم أورد الأحاديث، وأورد إنكار ابن عبّاس، وزيد بن ثابت - رضي اللَّه عنهم - على رافع ابن خَدِيج، حيث قال ابن عبّاس - رضي اللَّه عنهما -: "إن رسول اللَّه - صلى اللَّه عليه وسلم - لم يُحرّم المزارعة، ولكن أمر أن يرفُق الناس بعضهم من بعض (?). وقال زيد بن ثابت - رضي اللَّه عنه -: يغفر اللَّه لرافع بن خَدِيج أنا واللَّه كنت أعلم بالحديث منه، إنما أتى رجلان من الأنصار إلى رسول اللَّه - صلى اللَّه عليه وسلم -، قد اقتتلا، فقال: "إن كان هذا شأنكم، فلا تُكروا المزارع"، فسمع قوله: "لا تُكروا المزارع".
قال البيهقيّ -رحمه اللَّه تعالى-: زيد بن ثابت، وابن عبّاس - رضي اللَّه عنهم - كأنهما أنكرا -واللَّه أعلم- إطلاق النهي عن كراء المزارع، وعَنَى ابن عبّاس بما لم يُنه عنه من ذلك كراءها بالذهب والفضّة، وبما لا غرر فيه، وقد قيّد بعض الرواة عن رافع الأنواع التي وقع النهي عنها، وبيّن علّة النهي، وهي ما يُخشى على الزرع من الهلاك، وذلك غرر في العوض، يوجب فساد العقد. قال: وقد روينا عن زيد بن ثابت ما يوافق رواية رافع بن خديج وغيره، فدلّ أن ما أنكره غير ما أثبته. واللَّه أعلم.
قال: ومن العلماء من حمل أخبار النهي على ما لو وقعت بشروط فاسدة، نحو شرط الجداول، والماذْيَانات، وهي الأنهار، وهي ما كان يشترط على الزارع أن يزرعه على هذه الأنهار خاصّة لربّ المال، ونحو شرط القصارة، وهي ما بقي من الحبّ في السنبل بعد ما يداس، ويقال القِصْرَى، ونحو شرط ما يسقي الربيع، وهو النهر الصغير, فكانت هذه، وما أشبهها شروطا شرطها ربّ المال لنفسه خاصّةً، سوى الشرط على النصف، والربع، والثلث، فيرى أن نهي النبيّ - صلى اللَّه عليه وسلم - عن المزارعة إنما كان لهذه الشروط؛ لأنها مجهولة، فإذا كانت الحصص معلومةً، نحو النصف، والثلث، والربع، وكانت الشروط الفاسدة معدومةً، كانت المزارعة جائزة، وإلى هذه ذهب أحمد بن حنبل، وأبو عُبيد، ومحمد بن إسحاق بن خُزيمة، وغيرهم من أهل الحديث، وإليه ذهب أبو يوسف، ومحمد بن الحسن من أصحاب الرأي -رحمهم اللَّه تعالى-، والأحاديث التي مضت في معاملة النبيّ - صلى اللَّه عليه وسلم - أهل خيبر بشطر ما يخرج منها من ثمر، أو زرع دليلٌ لهم في هذه المسألة.
وقال أيضًا: ومن ذهب إلى هذا زعم أن الأخبار التي ورد النهي فيها عن كرائها