قول راوي حديثهم: نهانا رسول اللَّه - صلى اللَّه عليه وسلم - عن أمر كان لنا نافعًا، والشارع لا ينهى عن المنافع، وإنما ينهى عن المضارّ والمفاسد، فدلّ على غلط الراوي في النهي عنه، وحصول المنفعة فيما ظنّه منهيًّا عنه. انتهى كلام ابن قُدامة -رحمه اللَّه تعالى- (?).
قال الجامع - عفا اللَّه تعالى عنه -: هذا الذي قاله ابن قُدامة -رحمه اللَّه تعالى- تحقيقٌ نفيسٌ، غير محاولته لتضعيف حديث رافع بن خديج - رضي اللَّه عنه -، فإنه غير مقبول، فإن الحديث صحيح، وقد اتفق الشيخان على تخريجه، والجمع بينه وبين حديث قصّة خيبر ممكنٌ، كما سبق في كلامه هو، فكيف يضعّفه؟.
والحقّ أن الحديث صحيح، وأنه لا يعارض الحديث المذكور، كما قاله الحذّاق العارفون بعلل الأحاديث، وفقهها، فمن تأمّله، وجمع طرقه، واعتبر بعضها ببعض، وحمل مجملها على مفسّرها، ومطلقها على مقيّدها على أن الذي نهى عنه - صلى اللَّه عليه وسلم - في حديثهما كان أمرًا بين الفساد، وهي المزارعة الظالمة الجائرة، فإنه - رضي اللَّه عنه - قال: "كنا نُكري الأرض على أن لنا هذه، ولهم هذه، فربّما أخرجت هذه، ولم تخرج هذه"، وفي لفظ: "كان الناس يؤاجرون على عهد رسول اللَّه - صلى اللَّه عليه وسلم - بما على الماذيانات، وأقبال الجداول، وأشياء من الزرع"، وقال أيضًا: "ولم يكن لهم كراء إلا هذا، فلذلك زجر عنه، وأما بشيء معلوم، مضمون، فلا بأس"، فهذا، وما أشبهه من حديثه من أبين ما فيه، وأصحّه, وأصرح ما فسّر به ما أجمله، أو أطلقه، أو اختصره في سائر رواياته، فالواجب أن تُحْمَلَ تلك المجملاتُ على المفسّر المبيّن، المتّفق عليه لفظًا، وحكمًا.
قال الإمام ابن المنذر -رحمه اللَّه تعالى-: قد جاءت الأخبار عن رافع بعلل تدلّ على أن النهي كان لتلك العلل.
وقال الإمام الليث بن سعد -رحمه اللَّه تعالى-: الذي نهى عنه رسول اللَّه - صلى اللَّه عليه وسلم - أمر إذا نظر إليه ذو البصيرة بالحلال والحرام علم أنه لا يجوز.
وأيضًا فقد وقع في حديث جابر - رضي اللَّه عنه - نحو ما وقع في حديث رافع، لكن الجواب هو الجواب المذكور، فقد وقع في بعض طرقه: "أنهم كانوا يختصون بأشياء من الزرع من القِصْرَى (?)، ومن كذا، ومن كذا، فقال - صلى اللَّه عليه وسلم -: من كان له أرض، فليزرعها، أو