فيها؛ لقول النبيّ - صلى اللَّه عليه وسلم -: "العائد في هبته، كالعائد في قيئه"، متّفقٌ عليه. وعن عمر بن الخطاب - رضي اللَّه عنه - قال: "من وهب هبةً، يرى أنه أراد بها صلة رحم، أو على وجه صدقة، فإنه لا يرجع فيها، ومن وهب هبة أراد بها الثواب، فهو على هبته، يرجع فيها إذا لم يُرْضَ منها. رواه مالك في "الموطّإ". ولأنها هبةٌ يحصل بها الأجر من اللَّه تعالى، فلم يجز الرجوع فيها، كصدقة التطوّع.
واحتجّ الأولون بحديث عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جدّه، - رضي اللَّه عنه - المذكور في الباب، فإنه صريح في عدم الجواز، وبقول النبيّ - صلى اللَّه عليه وسلم - لبشير بن سعد - رضي اللَّه عنه -: "فاردده"، وفي رواية: "فارجعه"، فأمره بالرجوع في هبته، وأقلّ أحوال الأمر الجواز، وقد امتثل بشير بن سعد ذلك، فرجع في هبته لولده، ألا ترى أن النعمان قال في الحديث: فرجع أبي، فردّ تلك الصدقة (?).
قال الجامع - عفا اللَّه تعالى عنه -: ما ذهب إليه الأولون هو الحقّ، وحاصله جواز رجوع الوالد فيما وهب لولده؛ لصحة حديث الباب، وهو صريح في جواز ذلك للوالد، ففي لفظ: "لا يرجع"، وفي لفظ: "لا يحلّ لرجل الخ"، فتأويل مثل هذا النصّ الصريح في التحريم بأنه للكراهة، مما لا يُلتفت إليه، فتبصّر، ولا تتحيّر. واللَّه تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع، والمآب.
(المسألة الرابعة): في اختلاف أهل العلم في حكم الرجوع في الهبة:
ذهب الشافعيّ، وأبو ثور، وأحمد إلى أنه لا يحلّ الرجوع لمن وهب شيئًا، إلا الوالد، كما تقدّم في المسألة السابقة، واحتجّوا بحديث الباب.
وذهب النخعيّ, والثوريّ، وإسحاق، وأصحاب الرأي إلى أن من وهب لغير ذي رحم له الرجوع ما لم يُثَب عليها، وروي ذلك عن عمر بن الخطّاب - رضي اللَّه عنه -، واحتجّوا بقوله - صلى اللَّه عليه وسلم -: "الرجل أحقّ بهبته ما لم يُثب منها". رواه ابن ماجه (?).
قال الجامع - عفا اللَّه تعالى عنه -: الأرجح عندي ما ذهب إليه الأولون؛ د صحّة حديث الباب الظاهر في تحريم الرجوع في الهبة، إلا للوالد، وأما حديث ابن ماجه، فضعيف؛ لأن في سنده إبراهيم بن إسماعيل بن مجمّع، وهو ضعيف، بل قال بعضهم: متروك الحديث، فلا يصلح لمعارضة حديث الباب الصحيح، فتبصّر، ولا تتحيّر. واللَّه تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع، والمآب، وهو حسبنا، ونعم الوكيل.
3717 - (أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى, قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي عَدِيٍّ, عَنْ حُسَيْنٍ, عَنْ