يقول: "مثل الذي يُعتق عند الموت، كمثل الذي يُهدي إذا شبع". قال أبو عيسى: هذا حديث حسن صحيح.
(فَحَدَّثَ عَنِ النَّبِيِّ - صلى اللَّه عليه وسلم -، قَالَ) - صلى الله عليه وسلم - (مَثَلُ الَّذِي يُعْتِقُ) بضمّ أوله، من الإعتاق، أي يحرّر عبده (أَوْ يَتَصَدَّقُ) بماله على الفقراء والمساكين (عِنْدَ مَوْتِهِ، مَثَلُ الَّذِي يُهْدِي) بضمّ أوله، من الإهداء، لا من الهدي (بَعْدَمَا يَشْبَعُ) يعني أنه مثل الذي يُعطي بعد ما قضى حاجته، وهو قليل الجدوى، ولا يعتاده إلا دنيء الهمّة. وإنما مثّل بذلك؛ لأن الثاني أشهر، وإلا فالعكس أولى؛ فإن الذي شبع ربّما يتوقّع حاجته إلى ذلك الشيء، بخلاف الذي يُعتق، أو يتصدّق عند موته، إلا أن يقال: قد لا يصير عند موته، فيحتاج إلى ذلك الشيء، فلذلك يُعدّ إعتاقه، وتصدّقه فضيلة ما، لكن هذا إذا لم يكن بطريق الوصيّة. قاله السنديّ. واللَّه تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع، والمآب، وهو المستعان، وعليه التكلان.
مسائل تتعلق بهذا الحديث.
(المسألة الأولى): في درجته:
حديث أبي الدرداء - رضي اللَّه تعالى عنه - هذا حسنٌ (?).
[تنبيه]: هذا الحديث اختلف العلماء في درجته، فقال الترمذيّ: حديث حسنٌ صحيح، وصححه ابن حبّان، وقال الحافظ في "الفتح": إسناده حسنٌ، وضعفه الشيخ الألبانيّ؛ لجهالة أبي حبيبة الطائيّ.
والذي عندي أن الحديث حسنٌ، وأما تصحيحه, أو تحسين إسناده ففيه بعد؛ لأن أبا حبيبة الطائيّ مجهول، لم يرو عنه غير أبي إسحاق السبيعيّ، وقال عنه في التقريب: مقبول، يعني أنه يحتاج إلى متابع. وأما تضعيف الحديث مطلقًا فبعيد أيضًا؛ لأنه تشهد له أحاديث الباب، كحديث أبي هريرة - رضي اللَّه تعالى عنه - المتقدّم، وفيه: "لا تمهل حتى إذا بلغت الحلقوم، قلت: لفلان كذا، وقد كان لفلان".
والحاصل أن الحديث حسنٌ بما ذُكر. واللَّه تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع، والمآب.