يرجع فيها صاحبها، وتورث عنه، إلا أن يحكم به حاكم، أو يكون مسجدًا، أو سقاية، أو يوصي به، فيكون من ثلثه، ووجه الحجة عليه من هذا الحديث أن عمر - رضي اللَّه عنه - لَمّا فَهِم عن النبيّ - صلى اللَّه عليه وسلم - إشارته بالتحبيس بادر إلى ذلك بحضرة النبيّ - صلى اللَّه عليه وسلم -، وقال: إنه لا يباع، ولا يوهب، ولا يورث، ثم إنه أمضى ذلك من غير أن يحكم به النبيّ - صلى اللَّه عليه وسلم -، إذ لم يصدر من النبيّ - صلى اللَّه عليه وسلم - أكثر من الإشارة. وأيضًا فإن الصحابة - رضي اللَّه عنه - قد أجمعت على ذلك من غير خلاف بينهم فيه، فقد حبس الأئمة الأربعة، وطلحة، وزيد بن ثابت، والزبير، وابن عمر، وخالد بن الوليد، وأبو رافع، وعائشة، وغيرهم - رضي اللَّه عنه -، واستمرّت أحباسهم معمولاً بها على وجه الدهر، من غير أن يقف شيء من ذلك على حكم حاكم، ولم يُحك أن شيئًا من تلك الأحباس رجعت إلى المحبِّسِ، ولا إلى ورثته.

ومن جهة المعنى، فإنها عطيّةٌ على وجه القربة، فتلزم، كالهبة للمساكين، ولذي الرحم، وكالصدقة، ولأنه قد أُجمع على تحبيس المساجد من غير حكم، ولا فرق بين تحبيسها، وتحبيس العقار، لا سيّما على الفقراء والمساكين.

وإذا ثبت هذا، فالْحُبْس لازم في كلّ شيء، تمكن العطيّة فيه. واختُلف عن مالك في تحبيس الحيوان، كالإبل، والخيل، على قولين: المنع، وبه قال أبو حنيفة، وأبو يوسف. والصحّة، وبه قال الشافعيّ، وهو الصحيح؛ لأنه عطيّةٌ على وجه القربة، يتكرّر أجرها، كالعقار وغيره؛ ولأن المسلمين على شروطهم، وقد شرط صاحب الفرس في صدقته أنها لا تباع، ولا توهب، ولا تورث، فينفذ شرطه.

قال: فإذا فهمت هذا، فاعلم أن الألفاظ الواقعة في هذا الباب إما أن يقترن معها ما يدلّ على التأبيد، أو لا.

فالأول: نحو قوله: لا يباع، ولا يوهب، ولا يورث، أو أبدًا، أو دائمًا، أو على مجهولين، أو على العقب، فهذا النوع لا يبالى بأي لفظ نُسق معه؛ لأنه يفيد ذلك المعنى، كقوله: وقفٌ، أو حبسٌ، أو صدقةٌ، أو عطيّةٌ.

والثاني: وهو إذا تجرّد عما يدلّ على ذلك، فلفظ الوقف صريح الباب، فيقتضي التأبيد، والتحريم، ولم يختلف المذهب في ذلك. وفي الحبس روايتان: إحداهما أنه كالوقف. والثانية: أنه يرجع إلى المحبّس بعد موت المحبَّس عليه، والظاهر الأول؛ لأنه يُستعمل في ذلك شرعًا، وعرفًا. وأما الصدقة، فالظاهر منها أنها تمليك الرقبة. وفي رواية أنها كالوقف، وفيها بعد، إلا عند القرينة. واختُلف فيما لو جمع بينهما، فقال: حُبْسٌ صدقةٌ، والظاهر أن حكمه حكم الْحُبُس، وصدقة تأكيدٌ. انتهى كلام

طور بواسطة نورين ميديا © 2015