ذلك؛ لاحتمال أن يكون عرَفَ حكم الطلاق في الحيض، وأنه منهيّ عنه، ولم يَعرِف ماذا يَصنَع من وقع له ذلك؟. قال ابن العربيّ: سؤال عمر - رضي اللَّه عنه - محتملٌ لأن يكون أنهم لم يروا قبلها مثلها، فسأل ليعلم، ويحتمل أن يكون لَمّا رأى في القرآن قوله تعالى: {فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ}، وقوله: {يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلَاثَةَ قُرُوءٍ} أراد أن يعلم أن هذا قرء، أم لا؟، ويحتمل أن يكون سمع من النبيّ - صلى اللَّه عليه وسلم - النهي، فجاء ليسأل عن الحكم بعد ذلك. وقال ابن دقيق العيد: وتغيُّظُ النبيِّ - صلى اللَّه عليه وسلم - إِمّا لأن المعنى الذي يقتضي المنع كان ظاهرًا، فكان مقتضى الحال التثبّتَ في ذلك، أو لأنه كان مقتضى مشاورة النبيّ - صلى اللَّه عليه وسلم - في ذلك إذا عزم عليه انتهى (?).
(فَقَالَ) هذا تفسير وبيان لسؤال عمر - رضي اللَّه عنه - (إِنَّ عَبْدَ اللَّهِ) بن عمر (طَلَّقَ امْرَأَتَهُ، وَهِيَ حَائِضٌ) أي فماذا عليه؟ (فَقَالَ) - صلى اللَّه عليه وسلم - (مُرْ عَبْدَ اللَّهِ) "مُر" -بضمّ الميم، وسكون الراء-: فعل أمر من أَمَر يأمُرُ، من باب نصر ينصُرُ، وأصله اؤمر، فحذفت فاء الكلمة شذوذًا، لكثرة الاستعمال، وهمزة الوصل؛ استغناء، فصار "مُر"، بضمّ، فسكون، وإليه أشار ابن مالك في "لاميّته" حيث قال:
وَشَذَّ بِالْحَذْفِ "مُرْ" و"كُلْ" وَفَشَا ... و"امُرْ" وَمُسْتَنْدَرٌ تَتْمِيمُ "خُذْ" و"كُلَا"
(فَلْيُرَاجِعْهَا) فيه أن المراجعة واجبة؛ لأمره - صلى اللَّه عليه وسلم - بالمراجعة، وهو القول الراجح، وسيأتي تحقيق الخلاف فيه قريبًا ... ، إن شاء اللَّه تعالى (ثُمَّ يَدَعْهَا) -بفتح حرف المضارعة، والدال المهملة: أي يتركها، ولا يمسّها. وفي الرواية التالية: "ثم ليمسكها": أي يستمرّ بها في عصمته (حَتَّى تَطْهُرَ) بضمّ الهاء لا غيرُ (مِنْ حَيْضَتِهَا هَذِهِ) أي التي وقع فيها الطلاق (ثُمَّ تَحِيضَ حَيْضَةً أُخْرَى، فَإِذَا طَهُرَتْ) بفتح الهاء، من باب قتل، ويجوز ضمّها في لغة، من باب قَرُب (فَإنْ شَاءَ، فَلْيُفَارِقْهَا قَبْلَ أنْ يُجَامِعَهَا) وعند مسلم من طريق محمد بن عبد الرحمن، عن سالم بلفظ: "مره، فليراجعها، ثم ليطلّقها طاهرًا، أو حاملاً"، قال الشافعيّ: غير نافع إنما روى: "حتى تطهر من الحيضة التي طلّق فيها، ثم إن شاء أمسك، وإن شاء طلّق"، رواه يونس بن جبير، وأنس بن سيرين، وسالم. قال الحافظ: وهو كما قال، لكن رواية الزهريّ، عن سالم موافقةٌ لرواية نافع، وقد نبّه على ذلك أبو داود، والزيادة من الثقة مقبولةٌ، ولا سيّما إذا كان حافظًا انتهى (?).