ريب؛ لأن في هذه القصّة أن الجارية هي التي كسرت الصحفة، وفي الذي تقدّم أن عائشة نفسها هي التي كسرتها. وروى أبو داود، والنسائيّ، من طريق جَسْرَة -بفتح الجيم، وسكون المهملة- عن عائشة، قالت: "ما رأيت صانعةً طعامًا مثل صفيّة، أهدت إلى النبيّ - صلى اللَّه عليه وسلم - إناءً، فيه طعام، فما ملكتُ نفسي أن كسرته، فقلت: يا رسول اللَّه، ما كفّارته؟ قال: "إناء كإناء، وطعامٌ كطعام". وإسناده حسن. ولأحمد، وأبي داود، عنها: "فلما رأيت الجارية أخذتني رعدة"، فهذه قصّةٌ أخرى أيضًا.

وتحرّر من ذلك أن المراد بمن أُبهم في حديث الباب هي زينب يخطيء الحديث من مخرجه، وهو حميد، عن أنس، وما عدا ذلك، فقصص أخرى، لا يليق بمن يُحقّق أن يقول في مثل هذا: قيل: المرسلة فلانة، وقيل: فلانة الخ، من غير تحرير انتهى كلام الحافظ، وهو كلام نفيسٌ. واللَّه تعالى أعلم.

(بِقَصْعَةٍ) بفتح القاف: إناء من خشب. وعند البخاريّ في "النكاح" في رواية ابن علية "بصحفة"، وهي قصعة مبسوطة، وتكون من غير الخشب (فِيهَا طَعَامٌ) تقدّم قريبًا، أنه كان حيسًا (فَضَرَبَتْ يَدَ الرَّسُولِ، فَسَقَطَتِ الْقَصْعَةُ، فَانْكَسَرَتْ) زاد أحمد: "نصفين"، وفي رواية أم سلمة الآتية بعد هذا: "فجاءت عائشة، ومعها فهرٌ، ففلقت به الصحفة"، وفي رواية ابن عليّة: "فضربت التي في بيتها يد الخادم، فسقطت الصحفة، فانفلقت". والفَلْق بالسكون الشّقّ. ودلّت الرواية الأخرى على أنها انشقّت، ثم انفصلت (فَأَخَذَ النَّبِيُّ الْكِسْرَتَيْنِ) وفي نسخة: "الكَسْرَين" (فَضَمَّ إِحْدَاهُمَا إِلَى الأُخْرَى، فَجَعَلَ يَجمَعُ فِيهَا الطْعَامَ، وَيَقُولُ) - صلى اللَّه عليه وسلم - (غَارَتْ أُمُّكُمْ) أي إنما حملها على هذا الاعتداء غيرتها على ضرّتها. قال الطيبيّ: وإنما وُصفت المرسلة بأنها أم المؤمنين إيذانًا بسبب المغيرة التي صدرت من عائشة، وإشارة إلى غيرة الأخرى، حيث أهدت إلى بيت ضرّتها. وقوله: غارت أمكم" اعتذارٌ منه - صلى اللَّه عليه وسلم -؛ لئلا يُحمل صنيعُها على ما يُذمّ، بل يُجْرَى على عادة الضرائر من المغيرة، فإنها مركّبةٌ في النفس بحيث لا يقدر على دفعها. قاله في "الفتح". وقال في موضع آخر: الخطاب في قوله: "أمكم" لمن حضر، والمراد بالأمّ هي التي كسرت الصحفةَ، وهي من أمهات المؤمنين، كما تقدّم بيانه. وأغرب الداوديّ، فقال: المراد بقوله: "أمّكم" سارة، وكأنّ معنى الكلام عنده، لا تتعجّبوا مما وقع من هذه من الغيرة، فقد غارت قبل ذلك أمّكم حتى أخرج إبراهيمُ ولده إسماعيل، وهو طفل مع أمه إلى واد غير ذي زرع، وهذا، وإن كان له بعض توجيه، لكن المراد خلافه، وأن المراد كاسرة الصحفة، وعلى هذا حمله جميع مَنْ شرح هذا الحديث، وقالوا: فيه إشارة إلى عدم مؤاخذة الغيراء بما يصدر منها لأنها في تلك الحالة يكون

طور بواسطة نورين ميديا © 2015