والحاصل أن الشغار لا يكون شغارًا محرّمًا إلا إذا خلا عن ذكر المهر، فإن ذُكر المهر، جاز، اللَّهمّ إلا أن يترتّب عليه محظورٌ، وذلك بأن يشترط على أنه إذا حصل شقاقُ إحدى المرأتين مع زوجها، ففارقها انتُزعت الأخرى قهرًا بسبب ذلك، كما يُفعل في بعض البلدان، فلا يجوز؛ لإلحاق الضرر بالثانية؛ وقد صحّ عن رسول اللَّه - صلى اللَّه عليه وسلم - أنه قال: "لا ضرر، ولا ضرار". رواه أحمد (?).
[فإن قلت]: أخرج أبو داود في "سننه" بإسناد صحيح، من طريق ابن سحاق، حدّثني عبد الرحمن بن هُرْمُز الأعرج، أن العبّاس بن عبد اللَّه بن العباس أنكح عبد الرحمن بن الحكم ابنته، وأنكحه عبد الرحمن ابنته، وكانا جعلا صداقًا، فكتب معاوية إلى مروان يأمره بالتفريق بينهما، وقال في كتابه: هذا الشغار الذي نهى عنه رسول اللَّه - صلى اللَّه عليه وسلم -.
فقد أوضح معاوية - رضي اللَّه عنه - فيه أن الشغار يشمل أيضًا ما سُمّي فيه المهر، قال ابن حزم -رحمه اللَّه تعالى-: فهذا معاوية بحضرة الصحابة، لا يُعرف له منهم مخالف، يَفسَخ هذا النكاح، وإن ذكرا فيه الصداق. انتهى. (?).
[قلت]: هذا فهم معاوية - رضي اللَّه عنه - في حمل الشغار على ما يشمل الصورة المذكور في هذا الحديث، وقد تقدّم أن غيره خالفه في ذلك، ففسّروا الشغار بما اشتمل على وصفين: اشتراط كلّ منهما على الآخر أن يزوّجه موليّته، والخلوّ من ذكر الصداق، فهذا الحمل إن كان مرفوعًا، فواضح، وإن كان موقوفًا، فالقائلون به أكثر. وأما قول ابن حزم: فهذا معاوية بحضرة الصحابة، لا يعرف له منهم مخالف الخ، ففيه نظر لا يخفى، فمن أين له أنه قال ذلك بحضرة الصحابة؟، ومن أين عرف عدم مخالفتهم له؟، وقد تقدّم أن تفسير الشغار بما تقدّم وقع في حديث ابن عمر، وأبي هريرة، وأنس، وجابر، وأبي ريحانة - رضي اللَّه تعالى عنهم -. واللَّه تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب.
(المسألة الخامسة): في اختلاف أهل العلم في حكم نكاح الشِّغَار:
أجمعوا على أن نكاح الشغار لا يجوز، ولكن اختلفوا في صحّته، فالجمهور على البطلان. وفي رواية عن مالك يفسخ قبل الدخول، لا بعده. وحكاه ابن المنذر عن الأوزاعيّ. وذهب الحنفيّة إلى صحّته، ووجوب مهرب المثل، وهو قول الزهريّ، ومكحول، والثوريّ، والليث، ورواية عن أحمد، وإسحاق، وأبي ثور، وهو قول على