في "المحرّر" أن العلّة التشريك في البضع. وقال ابن دقيق العيد: ما نصّ عليه أحمد هو ظاهر التفسير المذكورة في الحديث لقوله فيه: ولا صداق بينهما، فإنه يشعر بأن جهة الفساد ذلك، وإن كان يحتمل أن يكون ذلك ذكر لملازمته لجهة الفساد، ثم قال: وعلى الجملة ففيه شعور بأن عدم الصداق له مدخل في النهي، ويؤيّده حديث أبي ريحانة الذي ذكره انتهى (?).
وقال العلامة ابن القيّم -رحمه اللَّه تعالى-: قال الإمام أحمد: الشغار الباطل أن يزوّجه وليّته على أن يزوّجه الآخر وليّته، ولا مهر بينهما على حديث ابن عمر، فإن سمّوا مع ذلك مهرًا صحّ العقد بالمسمّى عنده. وقال الخرقيّ: لا يصحّ، ولو سمّوا مهرًا على حديث معاوية. وقال أبو البركات ابن تيميّة، وغيره من أصحاب أحمد: إن سمّوا مهرًا، وقالوا مع ذلك: بُضع كلّ واحدة مهر الأخرى لم يصحّ، وإن لم يقولوا ذلك صحّ. واختُلف في علّة النهي، فقيل: هي جعل كلّ واحد من العقدين شرطًا في الآخر. وقيل: العلّة التشريك في البضع، وجعلُ بُضع كلّ واحدة مهرًا للأخرى، وهي لا تنتفع به، فلم يرجع إليها المهر، بل عاد المهر إلى الوليّ، وهو ملكه لبضع زوجته بتمليكه لبضع موليّته، وهذا ظلم لكل واحدة من المرأتين، وإخلاء لنكاحهما عن مهر تنتفع به، وهذا هو الموافق للغة العرب، فإنهم يقولون: بلدٌ شاغر من أمير، ودارٌ شاغرةٌ من أهلها: إذا خلت، وشغَرَ الكلب: إذا رفع رجله، وأخلى مكانها، فإذا سمّوا مهرًا مع ذلك زال المحذور، ولم يبق إلا اشتراط كلّ واحد على الآخر شرطًا لا يؤثّر في فساد العقد، فهذا منصوص أحمد.
وأما من فرّق، فقال: إن قالوا مع التسمية: إن بُضع كلّ واحدة مهرٌ للأخرى فسد؛ لأنها لم يرجع إليها مهرها، وصار بضعها لغير المستحقّ، وإن لم يقولوا ذلك صحّ، والذي يجيء على أصله أنهم متى عقدوا على ذلك، وإن لم يقولوه بألسنتهم أنه لا يصحّ؛ لأن القصود في العقود معتبرةٌ، والمشروط عرفًا كالمشروط لفظًا، فيبطل العقد بشرط ذلك، والتواطىءِ عليه ونيّته، فإن سُمّي لكلّ واحدة مهر مثلها صحّ، وبهذا تظهر حكمة النهي، واتفاق الأحاديث في هذا الباب انتهى كلام ابن القيّم -رحمه اللَّه تعالى- (?).
قال الجامع - عفا اللَّه تعالى عنه -: عندي أن ما ذهب إليه الإمام أحمد -رحمه اللَّه تعالى- أرجح؛ لأنه أقرب إلى ظاهر الحديث؛ لأن تفسير الشغار المذكور، إن كان مرفوعًا فواضحٌ، وإلا فتفسير الصحابيّ، أو الراوي أقرب؛ لأنه من أهل اللغة، وأفهم بمقاصد الشريعة.