(الثالث): أن يؤذِّن للأولى، ويقيم لكلّ واحدة منهما، وهو قول أحمد بن حنبل في أصحّ قوليه، وبه قال أبو ثور، وعبد الملك بن الماجشون، من المالكيّة، والطحاويّ، وقال الخطابيّ: هو قول أهل الرأي. وذكر ابن عبد البرّ أن الجوزجانيّ حكاه عن محمد ابن الحسن، عن أبي يوسف، عن أبي حنيفة.
(الرابع): أنه يؤذن للأولى، ويقيم لها، ولا يؤذّن للثانية، ولا يقيم لها، وهو قول أبي حنيفة، وأبي يوسف. حكاه النوويّ، وغيره. قال العينيّ: هذا هو مذهب أصحابنا، وعند زفر بأذان وإقامتين.
(الخامس): أنه يؤذّن لكلّ منهما، ويقيم، وبه قال عمر بن الخطاب، وعبد اللَّه بن مسعود - رضي اللَّه تعالى عنهما -، وهو قول مالك، وأصحابه، إلا ابن الماجشون، وليس لهم في ذلك حديث مرفوع. قاله ابن عبد البرّ.
(السادس): أنه لا يؤذّن لواحد منهما، ولا يقيم. حكاه المحب الطبريّ عن بعض السلف. وهذا كله في جمع التأخير.
وأما جمع التقديم، كالظهر والعصر بنمرة، ففيه ثلاثة أقوال:
(أحدها): أنه يؤذّن للأولى، ويقيم لكل واحدة منهما، وهو قول الشافعيّ، وجمهور أصحابه. (الثاني): أن يؤذّن للأولى، ويقيم لها، ولا يقيم للثانية، وهو مذهب أبي حنيفة. (الثالث): أنه يؤذّن لكلّ منهما، ويقيم، وهو وجه حكاه الرافعيّ عن ابن كجّ، عن أبي الحسين القطان أنه أخرجه وجهًا.
قال العينيّ: [فإن قلت]: ما الأصل في هذه الأقوال؟:
[قلت]: الذي قال بأذان وإقامتين قال برواية جابر، والذي قال بلا أذان، ولا إقامة، قال بحديث أبي أيوب، وابن عمر، فإنه ليس فيهما أذان، ولا إقامة، وكذا رواه طلق بن حبيب، وابن سيرين، ونافع عن ابن عمر من فعله. والذي قال بإقامة واحدة قال بحديث ابن عمر - رضي اللَّه تعالى عنهما -يعني المذكور في الباب، وكذا رواه ابن عباس - رضي اللَّه تعالى عنهما - مرفوعًا عند مسلم. والذي قال بإقامة للمغرب، وإقامة للعشاء قال بحديث أسامة، وكذا فعله عمر بن الخطّاب - رضي اللَّه تعالى عنه -.
فهذه الأحاديث التي رويت كلها مسندة، قاله ابن حزم، وقال: أشدّ الاضطراب في ذلك عن ابن عمر - رضي اللَّه تعالى عنهما -، فإنه روي عنه من فعله الجمع بينهما بلا أذان، ولا إقامة، وروي عنه أيضًا بإقامة واحدة، وروي عنه موقوفًا بأذان واحد، وإقامة واحدة، وروي عنه مسندًا الجمع بينهما بإقامتين، وروي عنه مسندًا بأذان واحد، وإقامة واحدة، قال: وهنا قول سادس لم نجده مرويًّا عن النبيّ - صلى اللَّه عليه وسلم -، وهو ما رويناه عن ابن