ولفظ البخاريّ: "ومن كان دون ذلك، فمن حيث أنشأ". قال في "الفتح": أي فميقاته من حيث أنشأ الإحرام، إذا سافر من مكانه إلى مكة، وهذا متّفق عليه، إلا ما روي عن مجاهد أنه قال: ميقات هؤلاء نفس مكّة. انتهى. قال ابن عبد البرّ: إنه قول شاذّ.
وقال العينيّ: الفاء في جواب الشرط، أي فمُهَلُّهُ من حيث قصد الذهاب إلى مكة، يعني أنه يهلّ من ذلك الموضع. انتهى.
وقال القاري: ولم يذكر النبيّ - صلى اللَّه عليه وسلم - حكم أهل المواقيت نفسها، والجمهور على أن حكمها حكم داخل المواقيت، خلافًا للطحاويّ، حيث جعل حكمها حكم الآفاقيّ انتهى.
(حَتَّى يَأْتِيَ ذَلِكَ) أي الحكم المذكور، وهو إنشاء الإحرام من مكانه (عَلَى أَهْلِ مَكَّةَ) أي فليس لهم أن يؤخّروا الإحرام عن مكّة. ولفظ ابن طاوس الآتي في 33/ 2657: "حتى يبلغ ذلك أهل مكة". ولفظ عمرو الآتي في 33/ 2658: "حتى إن أهل مكة يُهلون منها".
ولفظ البخاريّ: "حتى أهل مكة من مكة". قال العينيّ: يجوز في لفظ "أهل" الجرّ؛ لأن "حتى" تكون حرفا جارًّا بمنزلة "إلى"، ويجوز الرفع على أنه مبتدأ، وخبره محذوف، تقديره: "حتى أهل مكة يهلون من مكة"، كما في قولك: جاء القوم حتى المشاة، أي حتى المشاة جاءوا. انتهى.
وقال في "الفتح": أي لا يحتاجون إلى الخروج إلى الميقات للإحرام منه، بل يُحرمون من مكة، كالآفاقيّ الذي بين الميقات، ومكة، فإنه يُحرم من مكانه، ولا يحتاج إلى الرجوع إلى الميقات ليُحرم منه. وهذا خاصّ بالحاجّ، وأما المعتمر فلا بدّ له من الخروج إلى أدنى الحلّ، كالتنعيم، ونحوه.
قال المحبّ الطبريّ: لا أعلم أحدًا جعل مكة ميقاتًا للعمرة، فتعيّن حمله على القارن.
واختلف في القارن، فذهب الجمهور إلى أن حكمه حكم الحاجّ في الإهلال من مكة. وقال ابن الماجشون: يجب عليه الخروج إلى أدنى الحلّ. ووجهه أن العمرة إنما تندرج في الحجّ فيما محلّه واحدٌ، كالطواف والسعي، عند من يقول بذلك، وأما الإحرام فمحله فيهما مختلف.
وجواب هذ الاستشكال أن المقصود من الخروج إلى الحلّ في حقّ المعتمر أن يَرِدَ على البيت الحرام من الحلّ، فيصحّ كونه وافدًا عليه، وهذا يحصل للقارن لخروجه إلى عرفة، وهي من الحلّ، ورجوعه إلى البيت لطواف الإفاضة، فحصل المقصود بذلك أيضًا.