ثلاث صور، أو ثلاث مسائل:
(إحداها): أن يمرّ من ليس ميقاته بين يديه، كاليمنيّ، والعراقيّ، والنجديّ يمرّ أحدهم بذي الحليفة، وهذا لا خلاف فيه بين الأئمة أنه يلزمه الإحرام من ذي الحليفة، ولا يجوز له المجاوزة عنها بغير إحرام؛ لأنه ليس ميقاته بين يديه، وعليه حملت المالكيّة: "ولمن أتى عليهنّ من غير أهلهنّ".
(والثانية): أن يمرّ من ميقاته بين يديه، كالشاميّ مثلاً بذي الحليفة، واختلفوا فيه، فقالت الشافعيّة، والحنابلة، وإسحاق: يلزمه الإحرام من ذي الحليفة، ولا يجوز له التأخير إلى ميقاته، أي الجحفة؛ لظاهر الحديث، خلافًا للمالكية، والحنفيّة، وأبي ثور، وابن المنذر.
(والثالثة): أن المدنيّ إذا جاوز عن ميقاته إلى الجحفة، فهل يجوز له ذلك، أم لا؟، وبالأول قالت الحنفيّة، كما في كتب فروعهم، وبالثاني قال الجمهور، وهو القول الراجح المُعَوَّلُ عليه عندنا. انتهى كلام صاحب "المرعاة" (?).
قال الجامع - عفا اللَّه تعالى عنه -: الصواب عندي أن من مرّ على أيّ ميقات من المواقيت المحدّدة شرعًا، لا يجوز له أن يتجاوزها بغير إحرام، مطلقًا، سواء كان من أهل تلك المواقيت، أم من غيرهم، وسواء كان ميقاته أمامه، أم لا، عملاً بظاهر النصّ. واللَّه تعالى أعلم بالصواب.
[تنبيه]: زاد في رواية عبد اللَّه بن طاوس الآتية: "لمن أراد الحجّ والعمرة"، وفي رواية عمرو بن دينار الآتية أيضًا: "ممن أراد الحجّ والعمرة". وفيه دلالة على جواز دخول مكة بغير إحرام لمن لم يرد الحجّ، أو العمرة، وهذا هو المذهب الصحيح، وسيأتي تحقيق الخلاف في ذلك، في محلّه -107/ 2867 - باب "دخول مكة بغير إحرامِ" إن شاء اللَّه تعالى.
(فمَنْ كَانَ أَهْلُهُ دُونَ الْمِيقَاتِ) أي داخل الميقات (حَيْثُ يُنْشِئُ) أي يهلّ من حيث ينشىء السفر، من أنشأ: إذا أحدث، يفيد أنه ليس لمن كان داخل الميقات أن يؤخّر الإحرام عن أهله، حيث إن ذلك المحلّ هو الميقات في حقّه.
ولفظ عبد اللَّه بن طاوس الآتي في -23/ 2657 - : "ومن كان دون ذلك من حيث بدأ". ولفظ عمرو بن دينار الآتي في -23/ 2658: "فمن كان دونهنّ، فمن أهله". وهذا يوضّح أن المراد بقوله هنا: "حيث ينشيء" مكانه الذي فيه أهله.