إذا جاوز ذا الحليفة بغير إحرام إلى ميقاته الأصليّ، وهو الجحفة جاز له ذلك، وإن كان الأفضل خلافه. وبه قالت الحنفيّة، وأبو ثور، وابن المنذر من الشافعيّة (?).
قال ابن دقيق العيد: قوله: "لأهل الشام الجحفة" يشمل من مرّ من أهل الشام بذي الحليفة، ومن لم يمرّ. وقوله: "ولمن أتى عليهنّ من غير أهلهنّ" يشمل الشاميّ إذا مرّ بذي الحليفة وغيره، فههنا عمومان قد تعارضا انتهى ملخّصًا (?).
قال الحافظ: ويحصل الانفكاك عنه بأن قوله: "هنّ لهنّ" مفسّر لقوله مثلاً: "لأهل المدينة ذو الحليفة"، وأن المراد بأهل المدينة ساكنوها، ومن سلك طريق سفرهم، فمرّ على ميقاتهم، ويؤيّده عراقيّ خرج من المدينة، فليس له مجاوزة ميقات المدينة غير محرم، ويترجّح بهذا قول الجمهور، وينتفي التعارض انتهى (?).
وقال الحافظ وليّ الدين -رحمه اللَّه تعالى- بعد ذكر كلام ابن دقيق العيد: ما نصّه: دو سلك ما ذكرته أوّلاً من أن المراد بأهل المدينة من سلك طريق سفرهم، ومرّ على ميقاتهم، لم يَرِد هذا الإشكال، ولم يتعارض هنا دليلان، ومن المعلوم أن من ليس بين يديه ميقات لأهل بلده التي هي محلّ سكنه، كاليمني من المدينة، ليس له مجاوزة ميقات أهل المدينة غير محرم، وذلك يدلّ على ما ذكرناه أنه ليس المراد بأهل المدينة سُكّانها، وإنما المراد بأهلها من حجّ منها، وسلك طريق أهلها, ولو حملناه على سكانها لوردت هذه الصورة، وحصل الاضطراب في هذا، فنفرّق في الغريب الطارئ على المدينة مثلاً بين أن يكون بين يديه ميقات لأهل بلده أم لا، فنحمل أهل المدينة تارة على سكانها، وتارة على سكانها والواردين عليها، ويصير هذا تفريقًا بغير دليل، وإذا حملنا أهل المديمة على ما ذكرناه لم يحصل في ذلك اضطراب، ومشى اللفظ على مدلول واحد في الأحوال كلّها، واللَّه أعلم انتهى كلام وليّ الدين.
قال الجامع - عفا اللَّه تعالى عنه -: هذا الذي قاله وليّ الدين -رحمه اللَّه تعالى- حسنٌ جدًّا. واللَّه تعالى أعلم.
وقال صاحب "مرعاة المفاتيح" -بعد ذكرما تقدّم-: وقد عُلم مما ذكرنا أن ههنا