تعليق الحكم بالوقت، ثم استعمل في التحديد للشيء مطلقًا؛ لأن التوقيت تحديد بالوقت، فيصير التحديد من لوازم الوقت. وقوله هنا: "وقت" يحتمل أن يريد به التحديد، أي حدّ هذه المواضع للإحرام. ويحتمل أن يريد به تعليق الإحرام بوقت الوصول إلى هذه الأماكن بشرط إرادة الحجّ، أو العمرة انتهى (?).
وقال عياض: "وَقّت": أي حدّد، وقد يكون بمعنى أوجب، ومنه قوله تعالى: {إِنَّ الصَّلَاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَوْقُوتًا} انتهى. قال الحافظ: ويؤيّده الرواية الماضية بلفظ: "فرض". انتهى (?).
(لِأَهْلِ الْمَدِينَةِ) أي مدينة النبيّ - صلى اللَّه عليه وسلم - (ذَا الْحُلَيْفَةِ، وَلِأَهْلِ الشَّامِ الْجُحْفَةَ، وَلِأَهلِ نَجْدٍ قَرْنًا، وَلِآَهْل الْيَمَنِ يَلَمْلَمَ، وَقَالَ) - صلى اللَّه عليه وسلم - (هُنَّ لَهُنَّ) أي المواقيت المذكورة للجماعات المذكورة، أَو لأهلهنّ، على حذف مضاف.
قال القاضي عياض -رحمه اللَّه تعالى-: كذا جاءت الرواية في "الصحيحين" وغيرهما عند أكثر الرواة، قال: ووقع عند بعض رواة البخاريّ، ومسلم: "فهنّ لهم"، وكذا رواه أبو داود، وغيره -وهي الرواية الآتية للنسائيّ في -23/ 2658 - وكذا ذكره مسلم من رواية ابن أبي شيبة، وهو الوجه؛ لأنه ضمير أهل هذه المواضع. قال: ووجه الرواية المشهورة، أن الضمير في "لهنّ" عائد على المواضع، والأقطار المذكورة، وهي المدينة، والشام، واليمن، ونجد، أي هذه المواقيت لهذه الأقطار، والمراد لأهلها، فحَذَف المضاف، وأقام المضاف إليه مقامه انتهى (?).
(وَلِكُلِّ آتٍ أَتَي عَلَيهِنَّ مِنْ غَيْرِهِنَّ) وفي رواية عبد اللَّه بن طاوس، وعمرو بن دينار، عن طاوس: "ولمن أتى عليهنّ من غير أهلهنّ". يعني أن هذه المواقيت تكون محلّ إحرام لكلّ شخص أتي عليها من كير أهل البلاد المذكورة.
قال في "الفتح": وهذا يدخل في ذلك من دخل بلدًا ذات ميقات، ومن لم يدخل، فالذي لا يدخل لا إشكال فيه، إذا لم يكن له ميقات معيّن، والذي يدخل فيه خلاف، كالشاميّ إذا أراد الحجّ، فدخل المدينة، فميقاته ذو الحليفة لاجتيازه عليها, ولا يؤخر حتى يأتي الجحفة التي هي ميقاته الأصليّ، فإن أخّر أساء، ولزمه دم عند الجمهور.
وأطلق النوويّ الاتفاق، ونفى الخلاف في "شرحيه لمسلم، والمهذّب" في هذه المساْلة، فلعلّه أراد في مذهب الشافعيّ، وإلا فالمعروف عند المالكيّة أن للشاميّ مثلاً