ذلك كثيرة، وأنشدوا فيه:
قُلْ لِمَنْ سَادَ ثُمَّ سَادَ أَبُوهُ ... ثُمَّ سَادَ قَبْلَ ذَلِكَ جَدُّهُ
وذكر القاضي عياض في الجمع بينهما وجهين:
(أحدهما): نحو الأول من الوجهين اللذين حكيناهما، قال: قيل: اختلف الجواب لاختلاف الأحوال، فأعلم كلّ قوم بما بهم حاجة إليه، أو بما لم يكمّلوه بعدُ من دعائم الإسلام، ولا بلغهم علمه.
(الثاني): أنه قدّم الجهاد على الحجّ؛ لأنه كان أول الإسلام، ومحاربة أعدائه، والجدّ في إظهاره.
وذكر صاحب "التحرير" هذا الوجه الثاني، ووجها آخر أن "ثم" لا تقتضي ترتيبًا، وهذا شاذّ عند أهل العربيّة والأصول، ثم قال صاحب "التحرير": والصحيح أنه محمولٌ على الجهاد وقت الزحف الملجىء، والنفير العامّ، فإنه حينئذ يجب الجهاد على الجميع، وإذا كان هكذا، فالجهاد أولى بالتحريض، والتقديم؛ لما في الجهاد من المصلحة العامّة، مع أنه متعيّنٌ متضيّق في هذا الحال، بخلاف الحجّ. واللَّه أعلم انتهى كلام النوويّ -رحمه اللَّه تعالى-.
قال الجامع - عفا اللَّه تعالى عنه -: خلاصة الجواب أنه لا اختلاف بين هذه الأحاديث؛ لإمكان الجمع بينها، إما بالحمل على اختلاف الأشخاص السائلين، والأحوال المناسبة لهم، وإما على أن "من" مقدّرة في الكلام، أي من أفضل الأعمال، ولا يشكل رواية "ثم" لأنها تأتي في الاستعمال العربيّ للترتيب الذكريّ، كالآيات السابقة. وقد تقدّم هذا البحث في "كتاب الصلاة" في باب "فضل الصلاة لوقتها" -51/ 610 - فراجعه تزدد علمًا. واللَّه تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب، وهو حسبنا، ونعم الوكيل.
2625 - (أَخْبَرَنَا عِيسَى بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ مَثْرُودٍ, قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ وَهْبٍ, عَنْ مَخْرَمَةَ, عَنْ أَبِيهِ, قَالَ: سَمِعْتُ سُهَيْلَ بْنَ أَبِي صَالِحٍ, قَالَ: سَمِعْتُ أَبِي يَقُولُ: سَمِعْتُ أَبَا هُرَيْرَةَ يَقُولُ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى اللَّه عليه وسلم -: «وَفْدُ اللَّهِ ثَلاَثَةٌ: الْغَازِي, وَالْحَاجُّ, وَالْمُعْتَمِرُ»).
قال الجامع - عفا اللَّه تعالى عنه -: رجال هذا الإسناد رجال الصحيح، غير شيخه "عيسى بن إبراهيم بن مثرود (?) " الغافقيّ، أبي موسى المصريّ، ثقة، من صغار [10] 31/ 819 فإنه ممن انفرد به هو وأبو داود.
و"ابن وهب": هو عبد اللَّه الحافظ الفقيه الحجة المصريّ [9] 9/ 9.