زادهم فَنِيَ، فأمرهم أبو عبيدة، فجمعوا أزوادهم في مزودين، وجعل يقوتهم إياها على السواء.

فهذا إجماع مقطوع به من الصحابة - رضي اللَّه تعالى عنهم -، لا مخالف لهم منهم. وصحّ عن الشعبيّ، ومجاهد، وطاوس، وغيرهم كلهم يقول: في المال حقّ سوى الزكاة.

قال أبو محمد: وما نعلم عن أحد منهم خلاف هذا، إلا عن الضحّاك بن مزاحم، فإنه قال: نسخت الزكاة كلّ حقّ في المال. قال أبو محمد: وما روايةُ الضحاك بحجة، فكيف برأيه.

والعجب أن المحتجّ بهذا أول مخالف له، فيرى في المال حقوقًا سوى الزكاة، منها النفقات على الأبوين المحتاجين، وعلى الزوجة، وعلى الرقيق، وعلى الحيوان، والديون، والأُرُوش، فظهر بهذا تناقضهم.

[فإن قيل]: فقد رويتم من طريق ابن أبي شيبة: ثنا أبو الأحوص، عن عكرمة، عن ابن عباس، قال: من أدّى زكاة ماله، فليس عليه جُناحٌ أن لا يتصدّق. ومن طريق الحكم، عن مقسم، عن ابن عبّاس في قوله تعالى: {وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ} [الأنعام: 141] نسخها العشر، ونصف العشر.

[فالجواب]: أن رواية عكرمة، فإنما هي أن لا يتصدّق تطوّعًا، وهذا صحيح، وأما القيام بالمجهود، ففرض ودَين، وليس صدقة تطوّع.

وأما رواية مقسم فساقطة؛ لضفها (?)، وليس فيها لو صحّت خلاف لقولنا.

ويقولون: من عطش، فخاف على الموت، ففرض عليه أن يأخذ الماء حيث وجده، وأن يقاتل عليه. قال: فأيّ فرق بين ما أباحوا له من القتال على ما يدفع به عن نفسه الموت من العطش، وبين ما منعوه منه من القتال عن نفسه فيما يدفع به عنها الموت من الجوع والعري؟ وهذا خلاف للإجماع، وللقرآن، وللسنن، وللقياس.

قال: ولا يحلّ لمسلم اضطرّ أن يأكل ميتة، أو لحم خنزير، وهو يجد طعامًا فيه فضلٌ عن صاحبه، لمسلم، أو ذمّيّ؛ لأن فرضًا على صاحب الطعام إطعام الجائع، فإذا كان ذلك

طور بواسطة نورين ميديا © 2015