أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ}، وقال رسول اللَّه - صلى اللَّه عليه وسلم -فيما يأتي للمصنّف برقم -2619 - من حديث أبي هريرة - رضي اللَّه تعالى عنه -، مرفوعًا: "وإذا نهيتكم عن شيء، فاجتبوه" (?). ولا دليل هنا من نصّ، ولا إجماع يصرف النهي عن التحريم إلى كراهة التنزيه.
والحاصل أن شراء الصدقة محرم، يفسد به البيع. واللَّه تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب.
(المسألة الخامسة): قال الطبريّ -رحمه اللَّه تعالى-: يُخصّ من عموم هذا الحديث مَن وَهَب بشرط الثواب، ومن كان والدًا، والموهوب ولده، والهبة التي لم تُقبض، والتي ردّها الميراث إلى الواهب؛ لثبوت الأخبار باستثناء كلّ ذلك، وأما ما عدا ذلك، كالغنيّ يثيب الفقير، ونحو من يَصِل رحمه، فلا رجوع لهؤلاء. قال: ومما لا رجوع فيه مطلقًا الصدقة يراد بها ثواب الآخرة. انتهى. واللَّه تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب.
(المسألة السادسة): قال في "الفتح": وقد استُشكل ذكر عمر - رضي اللَّه تعالى عنه -يعني حمله في سبيل اللَّه- مع ما فيه من إذاعة عمل البرّ، وكتمانُهُ أرجح.
وأجيب بأنه تعارض عنده المصلحتان: الكتمان، وتبليغ الحكم الشرعيّ، فرجَّحَ الثاني، فعمل به.
وتُعُقّب بأنه كان يمكن أن يقول: حمل رجل فرسًا مثلًا، ولا يقول: حملت، فيجمع بين المصلحتين. والظاهر أن محلّ رجحان الكتمان إنما هو قبل الفعل، وعنده، وأما بعد وقوعه، فلعلّ الذي أعطيه أذاع ذلك، فانتفى الكتمان، ويضاف إليه أن في إضافته ذلك إلى نفسه تأكيدًا لصحّة الحكم المذكور؛ لأن الذي تقع له القصّة أجدر بضبطها ممن ليس عنده إلا وقوعها بحضوره، فلما أمن ما يخشى من الإعلان بالقصد، صرّح بإضافة الحكم إلى نفسه.
ويحتمل أن يكون محلّ ترجيح الكتمان لمن يَخشَى على نفسه من الإعلان العجب والرياء، أما من أَمِنَ من ذلك كعمر - رضي اللَّه تعالى عنه - فلا انتهى.
قال الجامع - عفا اللَّه تعالى عنه -: الاحتمال الأخير عندي أقوى.
وحاصله أن عمر - رضي اللَّه تعالى عنه - لما أَمِنَ من مَعَرّة الإعلان، من العجب والرياء اختار الإعلان به؛ لما يترتّب عليه من ترغيب الناس إلى مثل عمله، فيَقتَدُوا به فيحملوا في سبيل اللَّه تعالى، ويكون له الأجر في ذلك؛ لقوله - صلى اللَّه عليه وسلم -: "من سنّ سنّة حسنة، فله أجرها، وأجر من عمل بها إلى يوم القيامة، لا ينقص من أجورهم شيئًا ... "