غير رشيدة في مالها، وإنما تأوّلنا بذلك؛ لثبوت جواز التصدّق للمرأة من مالها من دون إذن الزوج في نصوص كثيرة، كما سنذكر بعضها قريبًا.
وقال الخطّابيّ: أخذ به مالك. قال السنديّ: ما أخذ بإطلاقه، ولكن أخذ به فيما زاد على الثلث. وهو عند أكثر العلماء على معنى حسن العشرة، واستطابة نفس الزوج. ونُقل عن الشافعيّ أن الحديث ليس بثابت، وكيف نقول به، والقرآن يدلّ على خلافه، ثمّ السنّة، ثم الأثر، ثم المعقول. ويمكن أن يكون هذا في غير الاختيار، مثلَ لَيْسَ لها أن تصوم، وزوجُها حاضر، إلا بإذنه، فإن فعلت جاز صومها، وإن خرجت بغير إذنه، فباعت جاز بيعها، وقد أعتقت ميمونة - رضي اللَّه عنها - قبل أن يعلم النبيّ - صلى اللَّه عليه وسلم -، فلم يَعب ذلك عليها، فدلّ هذا مع غيره على أن هذا الحديث، إن ثبت، فهو محمول على الأدب والاختيار. وقال البيهقيّ: إسناد هذا الحديث إلى عمرو بن شُعيب صحيح، فمن أثبت عمرو بن شعيب، لزمه إثبات هذا، إلا أن الأحاديث المعارضة له أصحّ إسنادًا، وفيها، وفي الآيات التي احتجّ بها الشافعيّ دلالة على نفوذ تصرّفها في مالها، دون الزوج، فيكون حديث عمرو بن شُعيب محمولًا على الأدب والاختيار، كما أشار إليه الشافعيّ (?).
قال الجامع - عفا اللَّه تعالى عنه -: حديث عمرو بن شُعيب الصحيح أنه صحيح، فلا بُدّ من حمله على الأدب، وحسن العشرة، لما ثبت من النصوص الصحيحة الكثيرة الصريحة في جواز تصدّق المرأة، من مالها بغير إذنه:
(فمنها): حديث ابن عباس - رضي اللَّه عنهما -، أنه- صلى اللَّه عليه وسلم - صلى العيد، ثم خطب، ثم أتى النساء، ومعه بلال، فوعظهن، وذَكَّرَهن، وأمرهن بالصدقة، فرأيتهن يهوين بأيديهن، يَقْذِفنَه في ثوب بلال، ثم انطلق هو، وبلال إلى بيته". وفي رواية: "فجعلت المرأة تُلقي القُرْط، والخاتم في ثوب بلال ... " متفق عليه.
فقد ثبت أنه - صلى اللَّه عليه وسلم - لما أمرهنّ بالصدقة، وهو في المسجد، تصدّقن، من دون استئذان أزواجهنّ، وقَبِلَ ذلك - صلى اللَّه عليه وسلم - منهنّ، ولم يستفسرهنّ، عن إذن أزواجهنّ لهنّ.
(ومنها): قصّة عتق ميمونة - رضي اللَّه عنها - جاريتها، فقد أخرج الشيخان، وغيرهما، عن كريب، مولى ابن عباس، أن ميمونة بنت الحارث، - رضي اللَّه عنها - أخبرته، أنها أعتقت وليدة، ولم تستأذن النبي - صلى اللَّه عليه وسلم -، فلما كان يومها، الذي يدور عليها فيه، قالت: أشعرت يا رسول اللَّه، أني أعتقت وليدتي، قال: "أَوَفعلتِ؟، قالت: نعم، قال: "أَمَا إنك لو أعطيتها