ذلك، وحديث عائشة - رضي اللَّه عنها - خارج على عادة أهل الحجاز أنهم يُطلقون الأمر للأهل، والخادم في الإنفاق، والتصدّق، مما يكون في البيت إذا حضرهم السائل، أونزل بهم الضيف، فحضّهم على لزوم تلك العادة، كما قال - صلى اللَّه عليه وسلم - لأسماء - رضي اللَّه عنه -: "لا توعي، فيوعي عليك"، وعلى هذا يخرّج ما روي عن عُمير مولى آبي اللحم، قال: كنت مملوكًا، فسألت رسول اللَّه - صلى اللَّه عليه وسلم -، أتصدّق من مال مواليّ بشيء؟، قال: "نعم، والأجر بينهما نصفان". انتهى (?).
وقال الحافظ في "الفتح": قال ابن العربيّ: اختلف السلف فيما إذا تصدّقت المرأة من بيت زوجها، فمنهم من أجازه، لكن في الشيء اليسير الذي لا يؤبه له، ولا يظهر به النقصان. ومنهم من حمله على ما إذا أذن الزوج، ولو بطريق الإجمال، وهو اختيار البخاريّ، ولذا قيّد الترجمة بالأمر به، حيث قال: "باب أجر الخادم، إذا تصدّق بأمر صاحبه، غير مفسد". ويحتمل أن يكون ذلك محمولًا على العادة، وأما التقييد بغير الإفساد فمتّفقٌ عليه. ومنهم من قال: المراد بنفقة المرأة، والعبد، والخازن النفقة على عيال صاحب المال في مصالحه، وليس ذلك بأن يفتئتوا على ربّ البيت بالإنفاق على الفقراء بغير إذن. ومنهم من فرق بين المرأة والخادم، فقال: المرأة لها حقّ في مال الزوج، والنظرِ في بيتها، فجاز لها أن تتصدّق، بخلاف الخادم، فليس له تصرّف في متاع مولاه، فيشترط الإذن فيه. وهو متعقّبٌ بأن المرأة إذا استوفت حقّها، فتصدّقت منه، فقد تخصّصت به، وإن تصدّقت من غير حقّها رجعت المسألة كما كانت، واللَّه أعلم. انتهى (?).
قال الجامع - عفا اللَّه تعالى عنه -: الذي يترجّح عندي أن تصدّق المرأة، والخادم من مال الرجل جائز بشرطين: (أحدهما): الإذن صريحًا، أو دلالةً، وذلك بأن يجري العرف في التصدّق بمثله، فيجري ذلك مجرى الإذن الصريح. (والثاني): عدم الإفساد، وهذا مجمعٌ عليه، كما سبق قريبًا، وما عدا ذلك، لا يجوز؛ لحديث الباب الآتي؛ وبهذا تجتمع الأدلة، واللَّه تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب.
"إن أريد إلا الإصلاح، ما استطعت، وما توفيقي إلا باللَّه، عليه توكّلت، وإليه أنيب".
...