أخرج الترمذيّ، من حديث سعد بن أبي وقّاص - رضي اللَّه عنه - رفعه: "إن اللَّه جواد يحبّ الجود ... " الحديث. وفي سنده ضعف. وله من حديث أنس رفعه: "أنا أجود ولد آدم، وأجودهم بعدي رجل علم علمًا، فنشر علمه، ورجل جاد بنفسه في سبيل اللَّه". وفي سنده مقال. وفي "صحيح البخاريّ، من حديث أنس - رضي اللَّه عنه -: "كان النبيّ - صلى اللَّه عليه وسلم - أشجع الناس، وأجود الناس ... " الحديث.

(وَكَانَ أَجْوَدَ مَا يَكُونُ) يجوز في "أجود" الرفع، والنصب، أما الرفع فهو أكثر الروايات، ووجهه أن يكون اسم "كان"، وخبرها محذوف وجوبًا؛ لسدّ الحال مسدّه، وهذا من المواضع التي يجب فيها حذف الخبر، وذلك فيما إذا كان المبتدأ مصدرًا، وبعده حال سدّت مسدّ الخبر، وهي لا تصلح أن تكون خبرًا، فيحذف الخبر وجوبًا لسد الحال مسدّه، نحو ضربي العبد مسيئًا، أي إذا كان مسيئا، ونحو: "أجود ما يكون في رمضان"، أي إذا كان في رمضان، ونحو قولك: أخطب ما يكون الأمير قائما، أي إذا كان قائمًا، وإلى ذلك أشار ابن مالك -رَحِمَهُ اللَّهُ- في "خلاصته" حيث قال:

وَقَبْلَ حَالٍ لَا يَكُونُ خَبَرَا ... عَنِ الَّذِي خَبَرُهُ قَدْ أُضْمِرَا

كضَرْبِيَ الْعَبْدَ مُسِيئًا وَأَتّمُّ ... تَبيِينَ الْحَقَّ مَنُوطًا بِالْحِكَمْ

فلفظة "ما" مصدرية، و"يكون" صلتها، أي أجود أكوان الرسول - صلى اللَّه عليه وسلم - (فِي رَمَضَانَ) متعلق بحال محذوف واقع موقع الخبر الذي هو "حاصل"، أو "واقع" (حِينَ يَلْقَاهُ جِبْرِيلُ) منصوب على الظرفية، متعلق بحال من الضمير في "حاصل" المقدّر، فهو حال من حال، ويسمى بالحالين المتداخلين، والتقدير: كان أجود أكوانه - صلى اللَّه عليه وسلم - حاصلا إذا كان في رمضان، حال ملاقاة جبريل.

ويحتمل أن تكون "كان" شانيّة، فيها ضمير الشأن، و"أجود ما يكون" كلام إضافيّ مبتدأ، وخبره "في رمضان"، والتقدير: كان الشأن أجودُ أكوان الرسول - صلى اللَّه عليه وسلم - حاصلٌ في رمضان حين الملاقاة.

ويحمتل أن يكون الوقت فيه مقدّرًا، كما في مَقْدَم الحاجّ، والتقدير: كان أجود أوقات كونه، وقتُ كونه في رمضان، وإسناد الجود إلى أوقاته - صلى اللَّه عليه وسلم - على سبيل المبالغة، كإسناد الصوم إلى النهار في نحو: نهارُهُ صائم.

وأما النصب فعلى أنه خبر "كان". وتُعُقّب بأنه يلزم منه أن يكون خبرها اسمها. وأجيب بجعل اسم "كان" ضمير النبيّ - صلى اللَّه عليه وسلم -، و"أجود" خبرها، والتقدير: كان رسول اللَّه - صلى اللَّه عليه وسلم - مدّة كونه في رمضان أجود منه في غيره.

قال النووي -رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى-: الرفع أشهر، والنصب جائز. وذكر أنه سأل ابن مالك

طور بواسطة نورين ميديا © 2015