عنه؟ فخرّج الرفع من ثلاثة أوجه، والنصب من وجهين. وذكر ابن الحاجب في أماليه للرفع خمسة أوجه، توارد مع ابن مالك منها في وجهين، وزاد ثلاثة أوجه، ولم يُعرّج على النصب.

قال الحافظ: ويرجّح الرفع وروده بدون "كان" في رواية للبخاري في "كتاب الصوم" انتهى (?).

(وَكَانَ جِبْرِيلُ يَلْقَاهُ) أي يلقى الرسول - صلى اللَّه عليه وسلم - (فِي كُلِّ لَيْلَةٍ، مِنْ شَهْرِ رَمَضَانَ، فَيُدَارِسُهُ الْقُرْآنَ) من المدارسة، وهي الْمُقَارأة والمذاكرة، أي يقارئه، ويذاكره القرآن؛ تذكيرًا له، وتثبيتًا لحفظه.

قيل: الحكمة فيه أن مدارسة القرآن تجدّد له العهد بمزيد غنى النفس، والغنى سبب الْجُود، والجود في الشرع إعطاء ما ينبغي لمن ينبغي، وهو أعمّ من الصدقة، وأيضًا فرمضان موسم الخيرات؛ لأن نعم اللَّه على عباده فيه زائدة على غيره، فكان النبيّ - صلى اللَّه عليه وسلم - يؤثر متابعة سنّة اللَّه في عباده، فبمجموع ما ذُكر من الوقت، والمنزول به، والنازل، والمذاكرة حصل المزيد في الجود، والعلم عند اللَّه تعالى. قاله في "الفتح".

(قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى اللَّه عليه وسلم -، حِينَ يَلْقَاهُ جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلَام، أَجْوَدَ بِالْخَيْرِ) ولفظ البخاريّ: "فلرسول اللَّه - صلى اللَّه عليه وسلم - أجود بالخير ... والفاء سببية، واللام للابتداء، زيدت على المبتدإ تأكيدًا، أو هي جواب قسم مقدّر (مِنَ الرِّيحِ الْمُرْسَلَةِ) أي المطلقة، يعني أنه في الإسراع بالجود أسرع من الريح، وعبّر بالمرسلة؛ إشارة إلى دوام هبوبها بالرحمة، وإلى عموم النفع بجوده كما تعمّ الريح المرسلة جميع ما تَهُبّ عليه.

وقال الزين ابن المنيّر -رحمه اللَّه تعالى-: وجه التشبيه بين أجوديته - صلى اللَّه عليه وسلم - بالخير، وبين أجوديّة الريح المرسلة أن المراد بالريح ريح الرحمة التي يرسلها اللَّه تعالى لإنزال الغيث العامّ الذي يكون سببًا لإصابة الأرض الميتة، وغير الميتة، أي فيعمّ خيره، وبرّه - صلى اللَّه عليه وسلم - من هو بصفة الفقر والحاجة، ومن هو بصفة الغنى والكفاية أكثر مما يعمّ الغيث الناشئ عن الريح المرسلة انتهى (?).

ووقع عند أحمد في آخر هذا الحديث: "لا يُسأل شيئا إلا أعطاه"، وثبتت هذه الزيادة في "الصحيح" من حديث جابر - رضي اللَّه عنه -: "ما سئل رسول اللَّه - صلى اللَّه عليه وسلم - شيئًا، فقال: لا". واللَّه تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب، وهو المستعان، وعليه التكلان.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015