والأمر أوسع من هذا، والذي جاءنا بسبق العلم، وأزليته هو الذي جاءنا بالأمر بالدعاء، والأمر بالدواء، وعرَّفَنا بأن صلة الرحم، تزيد في العمر، وأن الأعمال الصالحة تزيد أيضًا، وأن أعمال الشرّ تمحقه، وأن العبد يصاب بذنبه، كما يصل إلى الخير، ويندفع عنه الشرّ بكسب الخير، والتلبّس بأسبابه، فإعمال بعض ما ورد في الكتاب والسنّة، وإهمال البعض الآخر، ليس كما ينبغي، فإن الكلّ ثابت عن اللَّه -عَزَّ وَجَلَّ-، وعن رسول اللَّه - صلى اللَّه عليه وسلم -، والكلّ شريعة واضحة، وطريق مستقيمة، والجمع ممكن بما لا إهمال فيه لشيء من الأدلّة.

وبيانه أن اللَّه تعالى كما علم أن العبد يكون له في العمر كذا، ومن الرزق كذا، وهو من أهل السعادة، أو الشقاوة، قد علم أنه إذا وصل رحمه زاد له في الأجل كذا، وبسط له من الرزق كذا، وصار في أهل السعادة بعد أن كان في أهل الشقاوة، أو صار في أهل الشقاوة بعد أن كان في أهل السعادة، وهكذا قد علم ما ينقصه للعبد، كما علم أنه إذا دعاه، واستغاث به، والتجأ إليه عنه الشرّ (?)، ودفع عنه المكروه، وليس في ذلك خلف، ولا مخالفة لسبق العلم، بل فيه تقييد المسببات بأسبابها، كما قدّر الشبع والرّيّ بالأكل والشرب، وقدّر الولد بالوطء، وقدر حصول الزرع بالبذر، فهل يقول عاقل بأن ربط المسببات بأسبابها يقتضي خلاف العلم السابق، أو يُنافيه بوجه من الوجوه.

ولو قال قائل: أنا لا آكل، ولا أشرب، بل أنتظر القضاء، فإن قدر اللَّه ذلك كان، وإن لم يقدّره لم يكن، أو قال: أنا لا أجامع زوجتي، أو أَمَتِي ليحصل منهما الذرية، بل إن قدر اللَّه ذلك كان، وإن لم يقدره لم يكن، لكان هذا مخالفا لما عليه رسل اللَّه، وما جاءت به كتبه، وما كان عليه صلحاء الأمة، وعلماؤها، بل يكون مخالفًا لما عليه هذا النوع الإنسانيّ، من أبينا آدم إلى الآن، بل يكون مخالفا لما عليه جميع الحيوانات في البرّ والبحر، فكيف ينكر وصول العبد بدعائه، أو بعمله الصالح، فإن هذا من الأسباب التي ربط اللَّه مسبباتها، وعلمها قبل أن تكون، فعلمه على كل تقدير أزليّ في المسببات على حصول أسبابها. ولم يعد العاد (?) من أمثال هذه الآيات القرآنية، وما ورد موردها من الأحاديث النبوة.

وهل ينكر هؤلاء الغلاة مثل هذا، أو يجعلونه مخالفا لسبق العلم، مباينا لأزليته؟.

فإن قالوا: نعم، فقد أنكروا ما في كتاب اللَّه -عَزَّ وَجَلَّ- من فاتحته إلى خاتمته، وما في السنة المطهرة من أولها إلى آخرها، بل أنكروا أحكام الدنيا والآخرة جميعًا؛ لأنها كلها

طور بواسطة نورين ميديا © 2015