مسببات مترتبة على أسبابها، وجزاآت معلقة بشروطها، ومن بلغ إلى هذا في الغباوة، وعدم تعقّل الحجة لم يستحق المناظرة، ولا ينبغي معه الكلام فيما يتعلّق بالدين، بل ينبغي إلزامه بإهمال أسباب ما فيه صلاح معاشه، وأمر دنياه حتى يغشى عن غلفته، ويستيقظ من نومته، ويرجع عن ضلالته وجهالته.
ثم يقال لهم: هذه الأدعية الثابتة عن رسول اللَّه - صلى اللَّه عليه وسلم - في دواوين الإسلام، وما يلحق بها من كتب السنة المطهرة، قد علم كلّ من له علم أنها كثيرة جدًّا، بحيث لا يحيط بأكثرها إلا مؤلف بسيط، ومصنّف حافل، وفيها تارة استجلاب الخير، وفي أخرى استدفاع الشرّ، وتارة متعلّقة بامور الدنيا، وتارة بأمور الآخرة، ومن ذلك تعليمه - صلى اللَّه عليه وسلم - لأمته ما يدعون به في صلاتهم، وعقب صلواتهم، وفي صباحهم، ومسائهم، وفي ليلهم، ونهارهم، وعند نزول الشدائد، وعند حصول نعم اللَّه إليهم، هل كان هذا منه - صلى اللَّه عليه وسلم - لفائدة عائدة عليه، وعلى أمته بالخير، جالبة لما فيه مصلحة، دافعة لما فيه مفسدة.
فإن قالوا: نعم، قلنا: فحينئذ لا خلاف بيننا وبينكم، فإن هذا الاعتراف يدفع عنا، وعنكم مَعَرَّة الاختلاف، ويُريحنا من التطويل في الكلام على ما أوردتموه.
وإن قالوا: ليس ذلك لفائدة عائدة عليه، وعلى أمته بالخير، جالبة لما فيه مصلحة، دافعة لما فيه مفسدة، فهم أجهل من دوائهم (?)، وليس للمحاجة لهم فائدة، ولا في المناظرة معهم نفع.
يا عجباه كلّ العجب، أَمَا بلغهم ما كان عليه أمر رسول اللَّه - صلى اللَّه عليه وسلم -، وهو يعمل من أول نبوّته إلى أن قبضه اللَّه إليه من الدعاء لربه، والإلحاح عليه، ورفع يديه عند الدعاء حتى يبدو بياض إبطيه، وحتى يسقط رداؤه، كما وقع منه في يوم بدر، فهل يقول عاقل، فضلا عن عالم: إن هذا الدعاء منه (?) فعله رسول اللَّه - صلى اللَّه عليه وسلم -، وهو يعلم أنه لا فائدة فيه، ولا انتفاع به، ومعلوم أنه - صلى اللَّه عليه وسلم - أعلم بربه، وبقضائه وقدره، وبأزليته، وسبق علمه بما يكون في بريته، فلو كان الدعاء منه، ومن أمته لا يفيد شيئًا، ولا ينفع نفعًا لم يفعله، ولا أرشد الناس إليه، ولا أمرهم به، فإن ذلك نوع من العبث الذي ينزّه كل عاقل، فضلًا عن خير البشر، وسيد ولد آدم عنه، لِمَ لَمْ يقل لهم: إذا كان القضاء واقعًا لا محالة، فإنه لا يدفعه شيء من الدعاء، والالتجاء، والإلحاح، والاستغاثة؟ فكيف لم يتأدب رسول اللَّه - صلى اللَّه عليه وسلم - مع ربّه؟، فإنه قد صحّ عنه أنه استعاذ باللَّه -عَزَّ وَجَلَّ- من سوء القضاء، كما عرّفناك، وقال: "وقني شرّ ما قضيت"، فكيف يقول هؤلاء الغلاة في