اللَّه بالدعاء، أو بصلة الرحم، أو بفعل الخير. ويجوز أن يقدم لمن عمل شرّا، أو قطع ما أمر اللَّه به أن يوصل، وانتهك محارم اللَّه -عَزَّ وَجَلَّ-.

فإن قلت: فعلى ما يحمِل قوله تعالى: {مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي أَنْفُسِكُمْ إِلَّا فِي كِتَابٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَهَا} [الحديد: 22] وقوله: {قُلْ لَنْ يُصِيبَنَا إِلَّا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَنَا} [التوبة: 51]، وكذلك معنى ما ورد في هذا المعنى؟

قلت: هذه أوّلاً معارضة بمثلها، مثل قوله -عَزَّ وَجَلَّ-: {وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ} [الشورى: 30]، ومثل ذلك ما ثبت في الحديث الصحيح القدسيّ: "يا عبادي إنما هي أعمالكم أحصيها لكم، ثم أوفيكم إياها، فمن وجد خيرًا فليحمد اللَّه، ومن وجد غير ذلك، فلا يلومنّ إلا نفسه".

وثانيًا: بإمكان الجمع بحمل مثل قوله: {إِلَّا فِي كِتَابٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَهَا}، وقوله -عَزَّ وَجَلَّ-: {قُلْ لَنْ يُصِيبَنَا إِلَّا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَنَا} على عدم التسبب من العبد بأسباب الخير من الدعاء، وسائر أفعال الخير، وحمل ما ورد فيما يخالف ذلك على وقوع التسبب بأسباب الشرّ المقضية لأمان المكروه (?)، ووقوعه على العبد.

وهكذا يكون الجمع بين الأحاديث الواردة لسبق القضاء، وأنه فرغ من تقدير الأجل، والرزق، والسعادة، والشقاة، وبين الأحاديث الواردة في صلة الرحم بأنها تزيد في العمر، وكذلك سائر أعمال الخير، وكذلك الدعاء.

فتحمل أحاديث الفراغ من القضاء على عدم تسبب العبد بأسباب الخير والشرّ، وتحمل الأحاديث الأخرى على أنه قد وقع من العبد التسبب بأسباب الخير، من الدعاء، والعمل الصالح، وصلة الرحم، أو التسبب بأسباب الشرّ.

فإن قلت: قد تقرر بالأدلّة من الكتاب بأن علمه -عَزَّ وَجَلَّ- أزليّ، وأنه قد سبق في كلّ شيء، ولا يصحّ أن يقدّر وقوع غير ما قد علمه، وإلا انقلب العلم جهلاً، وذلك لا يجوز إجماعًا.

قلت: علمه -عَزَّ وَجَلَّ- سابق أزليّ، وقد علم ما يكون قبل أن يكون، ولا خلاف بين أهل الحقّ من هذه الحيثية، ولكنه غلا قوم، فأبطلوا فائدة ما ثبت في الكتاب والسنة من الإرشاد إلى الدعاء، وأنه يردّ القضاء، وما ورد في الاستعاذة منه - صلى اللَّه عليه وسلم - من سوء القضاء، وما ورد من أنه يصاب العبد بذنبه، وبما كسبت يده، ونحو ذلك، مما جاءت به الأدلة الصحيحة، وجعلوه مخالفا لسبق العلم، ورتبوا عليه أنه يلزم انقلاب العلم جهلاً،

طور بواسطة نورين ميديا © 2015