أيضًا ما في "الصحيحين"، وغيرهما، عن جماعة من الصحابة، عن النبي - صلى اللَّه عليه وسلم - أن صلة الرحم تزيد في العمر. وفي لفظ في "الصحيحين ": "من أحبّ أن يبسط له في رزقه، وأن يُنسأ له في أثره، فليصل رحمه". وفي لفظ: "من أحبّ أن يمدّ اللَّه في عمره وأجله، ويبسط له في رزقه، فليتق اللَّه، وليصل رحمه". وفي لفظ: "صلة الرحم، وحسن الخلق يعمّران الديار، ويزيدان من الأعمار".

ومن أعظم الأدلة ما ورد في الكتاب العزيز من الأمر بالدعاء؛ لقوله -عَزَّ وَجَلَّ-: {ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ} [غافر: 60]، وقوله: {أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ} [النمل: 62] وقوله: {وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ} [البقرة: 186]، وقوله: {وَاسْأَلُوا اللَّهَ مِنْ فَضْلِهِ} [النساء: 32]. والأحاديث المشتملة على الأمر بالدعاء متواترة، وفيها: إن الدعاء يدفع البلاء، ويردّ القضاء، وفيها: أن الدعاء هو العبادة، وفيها: الاستعاذة من سوء القضاء، كما ثبت عنه - صلى اللَّه عليه وسلم - في "الصحيح" أنه قال: "اللَّهم إني أعوذ بك من سوء القضاء"، كما ثبت عنه - صلى اللَّه عليه وسلم - أنه قال: "وقني شرّ ما قضيت".

فإذا كان الدعاء لا يفيد شيئًا، وأنه ليس للإنسان إلا ما قد سبق في القضاء الأزليّ، لكان أمره -عَزَّ وَجَلَّ- بالدعاء لغوًا، لا فائدة فيه، وكذلك وعده بالإجابة للعباد الداعين، وهكذا تكون استعاذة النبيّ - صلى اللَّه عليه وسلم - لغوًا لا فائدة فيها، وهكذا يكون ما ثبت في الأحاديث المتواترة المشتملة على الأمر بالدعاء، وأنه عبادة لغوًا، لا فائدة فيها، وهكذا يكون قوله - صلى اللَّه عليه وسلم -: "وقني شرّ ما قضيت" لغوًا، لا فائدة فيه، وهكذا يكون أمره - صلى اللَّه عليه وسلم - بالتداوي، وأن اللَّه -عَزَّ وَجَلَّ- ما أنزل من داء، إلا وله دواء لغوًا لا فائدة فيه، مع ثبوت الأمر بالتداوي في "الصحيح" عنه - صلى اللَّه عليه وسلم -.

فإن قلت: فعلى ما يحمل ما تقدّم من الآيات القاضية بأن الأجل لا يتقدم، ولا يتأخّر، ومن ذلك قوله -عَزَّ وَجَلَّ-: {فَإِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ لَا يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلَا يَسْتَقْدِمُونَ}؟.

قلت: قد أجاب عن ذلك بعض السلف، وتبعه الخلف، بأن هذه الآية مختضة بالأجل إذا حضر، فإنه لا يتقدّم، ولا يتأخّر عند حضوره.

ويؤيد هذا أنها مقيدة بذلك، فإنه قال: {فَإِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ}، ومثل هذا التقييد المذكور في هذه الآية قوله -عَزَّ وَجَلَّ-: {وَلَنْ يُؤَخِّرَ اللَّهُ نَفْسًا إِذَا جَاءَ أَجَلُهَا}، وقوله -عَزَّ وَجَلَّ-: {إِنَّ أَجَلَ اللَّهِ إِذَا جَاءَ لَا يُؤَخَّرُ}، فقد أمكن الجمع بحمل هذه الآيات على هذا المعنى، فماذا حضر الأجل لم يتقدّم، ولم يتأخر، وفي غير هذه الحالة يجوز أن يؤخّره

طور بواسطة نورين ميديا © 2015