جنبي ... "، ولمسلم من طريق أيوب عن ابن أبي مليكة، قال: كنت جالسا إلى جنب ابن عمر، ونحن ننتظر جنازة أم أبان بنت عثمان، وعنده عمرو بن عثمان، فجاء ابن عباس، يقوده قائده، فأُراه أخبره بمكان ابن عمر، فجاء حتى جلس إلى جنبي، فكنت بينهما، فإذا صوت من الدار ... ".

قال النووي -رحمه اللَّه تعالى-: فيه دليل لجواز الجلوس، والاجتماع لانتظار الجنازة، واستحبابه. وأما جلوسه بين ابن عمر، وابن عباس - رضي اللَّه عنهما -، وهما أفضل بالصحبة، والعلم، والفضل، والصلاح، والنسب، والسنّ، وغير ذلك، مع أن الأدب أن المفضول لا يجلس بين الفاضلين إلا لعذر، فمحمول على عذر، إما لأن ذلك الموضع أرفق بابن عباس، وإما لغير ذلك انتهى (?) (فَبكَيْنَ النِّسَاءُ) تقدم أن مثل هذا يتخرّج على لغة "أكلوني البراغيث" (فَقَالَ ابْنُ عُمَرَ) - رضي اللَّه عنهما - (أَلَا تَنْهَى هَؤُلَاءِ) هكذا رواية المصنف هنا، وفي "الكبرى" لم يذكر المخاطب، وقد ثبت في روية الشيخين، ولفظ البخاريّ: "فقال عبد اللَّه بن عمر لعَمْرو بن عثمان: ألا تنهى عن البكاء؟ .... ".

وعمرو بن عثمان هو أكبر أولاد عثمان - رضي اللَّه عنه - الذين أعقبوا، وإن معاوية زوّجه لما ولي الخلافة ابنته رملة. قاله الزبير بن بكّار. ويكنى أبا عثمان، مدنيّ ثقة، من كبار التابعين (عَنِ الْبُكَاءِ) أي بالصياح والنياح، وهو متعلق بـ "تنهى" (فَإِنِّي) الفاء للتعليل، أي لأني (سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صلى اللَّه عليه وسلم -) فيه أن ابن عمر - رضي اللَّه عنهما - سمعه بنفسه، وهذا لا يعارض ما تقدم من أنه سمعه من أبيه، لاحتمال أن يسمعه من أبيه أوّلاً، ثم يسمعه من النبي - صلى اللَّه عليه وسلم -، فكان يحدّث بهما. واللَّه تعالى أعلم.

(يَقُولُ: إِن الْمَيِّتَ لَيُعَذبُ، بِبَعْضِ بُكَاءِ أَهْلِهِ عَلَيْهِ) هكذا نسخ "المجتبى" "ببعض بكاء أهله عليه"، والذي في "الكبرى": "ببكاء أهله عليه"، وهو الذي في رواية الشيخين، والظاهر أنه الصواب بدليل قول ابن عباس - رضي اللَّه عنهما -: "قد كان عمر يقول بعض ذلك"، فلو كان كلام ابن عمر "ببعض بكاء أهله"، لما استقام قول ابن عباس - رضي اللَّه عنهما - هذا.

ومما يؤيد ذلك أيضًا زيادة في رواية مسلم، وهي: "قال: فأرسلها عبد اللَّه مرسلة، وأما عمر فقال: ببعض".

قال النووي: معناه أن ابن عمر أطلق في روايته تعذيب الميت ببكاء الحيّ، ولم يقيده بيهوديّ، كما قيّدته عائشة، ولا بوصيّة، كما قيده آخرون، ولا قال: "ببعض بكاء أهله"، كما رواه أبوه عمر انتهى. والحاصل أن الظاهر أن رواية ابن عمر - رضي اللَّه عنهما - هنا غير مقيدة "ببعض". واللَّه تعالى أعلم.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015