"تاريخه"، وصححه الحاكم، قال ابن المرابط: حديث قَيلة نصّ في المسألة، فلا يُعدَل عنه.

واعترضه ابن رُشد بأنه ليس نصّا، وإنما هو محتمل، فإن قوله: "فيستعبر إليه صويحبه" ليس نصّا في أن المراد به الميت، بل يحتمل أن يراد به صاحبه الحيّ، وأن الميت يعذب حينئذ ببكاء الجماعة عليه.

قال الحافظ بعد ذكر هذه التوجيهات: ويحتمل أن يُجمَع بين التوجيهات، فينزّل على اختلاف الأشخاص بأن يقال مثلاً: من كانت طريقته النوح، فمشى أهله على طريقته، أو بالغ بذلك عذّب بصنعه، ومن كان ظالمًا، فنُدب بأفعاله الجائرة عذّب بما نُدِب به، ومن كان يَعرِف من أهله النياحة، فأهمل نهيهم عنها، فإن كان راضيًا بذلك التحق بالأول، وإن كان غير راض عذّب بالتوبيخ، كيف أهمل النهي؟، ومن سَلِمَ من ذلك كله، واحتاط، فنهى أهله عن المعصية، ثم خالفوه، وفعلوا ذلك كان تعذيبه تألمه بما يراه منهم من مخالفة أمره، وإقدامهم على معصية ربهم.

قال الجامع - عفا اللَّه تعالى عنه -: في هذا الجمع تكلّف لا يخفى، بل الأولى الترجيح بين هذه التوجيهات، كما سيأتي قريبًا.

وحكى الكرمانيّ تفصيلاً آخر، وحسنه، وهو التفرقة بين حال البرزخ، وحال يوم القيامة، فيحمل قوله تعالى: {وَلَا تَزِرُ وَازِرَة وِزرَ أخرَى} [فاطر: 18]، على يوم القيامة، ويحمل هذا الحديث، وما أشبهه على البرزخ، ويؤيّده أن مثل ذلك يقع في الدنيا، والإشارة إليه بقوله تعالى: {وَاتَّقُوا فِتْنَةً لَا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً} [الأنفال: 25]، فإنها دالّة على جواز وقوع التعذيب على الإنسان بما ليس له فيه تسبب، فكذلك يمكن أن يكون حال البرزخ بخلاف حال يوم القيامة (?).

قال الجامع - عفا اللَّه تعالى عنه -: وهذا الذي قاله الكرماني يعارضه ما في بعض الأحاديث من التنصيص بأن ذلك التعذيب إنما يكون في القيامة، فقد أخرج الشيخان من حديث المغيرة بن شعبة - رضي اللَّه عنه -، مرفوعًا: "من نِيح عليه، فإنه يعذّب بما نيح عليه يوم القيامة".

إذا علمت هذه الأقوال بما لها، وما عليها، فأرجحها عندي ما ذهب الإمام البخاري -رحمه اللَّه تعالى-، من أن ذلك إذا كان من سنته، كما أسلفنا قوله في ذلك.

والحاصل أن هذا التعذيب في حقّ من له تسبب في بكاء أهله عليه، بأن يكون البكاء

طور بواسطة نورين ميديا © 2015