ديوان المعاني (صفحة 364)

والهواء لا شك تأخذ مما يتفرق عنه في الأرض بزعمهم، والكلام فيه يتسع وإنما أشرت إلى موضع الدلالة على فساد قولهم. وقال النظار الغقعسي:

(يا صاحبيَ أعيناني بطرفكما ... أنى تشيمان برقٌ العارضِ الساري)

(أبصرتهُ حينَ غاب النجمُ وانسفرت ... عنا غفائر من دجنِ وأمطارِ)

(فباتَ ينهضُ بالوادي وجَلهتهِ ... نهضَ الكسيرِ بذي أو نَين جَرار)

(حيرانَ سكران يغشى كلَّ رابيةٍ ... من الروابي بأرجافٍ وأضرار)

(مفرقٌ لدماثِ الأرضِ منهمرٌ ... رعابُ أفئدةٍ شعالُ أبصار)

(كأن بلقاً عِراباً تحت رَيِّقه ... عوداَ تَذُب برمحٍ عندَ إمهارِ)

وشبه البرق برمح الأبلق، وهو من قول أوس بن حجر:

(كأنَ ريقهُ لما عَلا شطبا ... أقراب أبلق ينقى الخيلَ رماحِ)

ومن أبلغ ما قيل في ذلك قول الأعرابية التي سألها ذو الرمة عن الغيث فقالت: غثنا ما شئنا. فكان ذو الرمة يقول قاتلها الله ما أفصحها. وترك ذو الرمة هذا المذهب على إعجابه به واخيتاره له وقال:

(ألا يا أسلمي يا دارَ مَيّ على البلى ... ولا زالُ مُنهلاًّ بجرعائكِ القطرُ)

فقيل له هذا بالدعاء عليها أشبه منه بالدعاء لها لأن القطر إذا دامت فيها فسدت. والجيد قول طَرَفَة:

(فسقى بلادك غيرَ مُفسِدِها ... صوبُ الربيعِ ودِيمةٌ تهمي)

وقال أعرابي: أصابتنا سحابة وإنا لبنوطة بعيدة الأرجاء فاهر مع مطرها حتى رأيتنا وما رأينا غير السماء والماء وصهوات الطلح فضرب السيل النجاف وملأ

طور بواسطة نورين ميديا © 2015