الأودية فرعبها فلما لبثنا إلا عشراً حتى رأيتها روضة تندي. قوله ما رأيت غير السماء والماء وصهوات الطلح غاية في صفة كثرة المطر.
وأخبرنا أبو أحمد عن أبي بكر بن دريد عن حاتم عن أبي عبيدة قال خرج النعمان بن المنذر في بعض أيامه في عقب مطر فلقي أعرابياً فأمر بإحضاره فأتي به فقال كيف تركت الأرض وراءك؟ قال فيح رحاب منها السهولة ومنها الصعاب منوطة بجبالها حاملة ثقالها. قال إنما عن السماء سألتك قال مطلة مستقلة على غير سقاب ولا أطناب يختلف عصراها ويتعاقب سراجاها، قال ليس عن هذا أسألك قال فسل عما بدالك قال هل أصاب الأرض غيث يوصف قال نعم أغمطت السماء في أرضنا ثلاثاً رهواً فثرت وأرزغت ورسغت ثم خرجت من أرض قومي أقروها متواصية لا خطيطة منها حتى هبطت تعشار فتداعى السحاب من الأقطار فجاء السيل الجرار فعفا الآثار وملأ الجفار وقوب الأشجار وأجحر الُحضار ومنع السفار ثم أقلع عن نفع وإضرار فلما اتلأبت في الغيطان ووضحت السبل في القيعان تطلعت رقاب العنان من أقطار الأعنان فلم أجد وزراً إلا الغيران فقات وجارالضب فعادت السهول كالبحار تتلاطم بالتيار والحزون متلفعة بالغثاء والوحوش مقذوفة على الأرجاء فما زلت أطأ السماء وأخوض الماء حتى أطلعت أرضكم اه. أغمطت السماء دام مطرها، رهواً ساكتاً، ثرت تركته ثرية، أرزغت تركت الأرض في رزغة والرزغة والردغة الطين إذا أغطى القدم، رسغت بلغت الرسغ، متواصية متصلة، الهطيطة والخطيطة أرض لم يصبها مطر بين أرضين ممطورتين، وتعشار موضع، والعنان السحاب والأعنان نواحي الشخب فقأت من القي وجار الضب وهو عندهم غاية