سامعة لما تشير الأمّ ... مع أنَّها مثل الحجار صمّ
واهاً لها من شهب تخطف ... شاهرة بالعزمِ وهي تقذف
كأنَّها والطيرُ منها هارب ... خلفَ الشياطين شهاب ثاقب
حتَّى نزلنا بمكانٍ مونق ... إخوان صدقٍ أحدق بالملّق
فيا لهُ في الحسنِ من محلٍّ ... مراد جدّ ومراد هزل
للطيرِ في مياههِ مواقع ... كأنَّها من فوقه فواقع
فلم نزل في منزل كريم ... نروي حديث الرمي عن قديم
حتَّى طوى الأفق رداء الورس ... والْتقمَ المغرب قرص الشمس
وذرّ مسك الليل من فرقِ الأفق ... واتَّشحت خود السماء بالنطق
وابْتدرَ القومُ إلى المراصد ... من ساهرِ الليل التَّمام ساهد
بينا الطيور في مداها سائره ... إذا هم من عينه بالساهره
كالليث يسطو كفه بأرقم ... والبدر يرمي في الدجى بأنجم
وأقبلت مواكبُ الطيور ... على طروسِ الجوِّ كالسطور
فحبَّذا السطور في المهارق ... منقوطة الأحرف بالبنادق
من كلِّ تمّ حقّ أن يسمي ... ضياؤه المشرق بدر التمّ
تخالهُ من تحتِ عنقٍ قد سجا ... طرَّة الصبح تحتَ أذيال الدجى
وكلّ حيّ حسن الوسامه ... كأنَّه في أفقهِ غمامه
تتبعه أوزَّة دكناء ... من دونها لفلفة غرَّاء
تقدّمها أنيسة ملوَّنه ... تابعة من كلّ وصفٍ أحسنه
يجني بها الآكل خير ما جنى ... وأحسن المأكول ما تلوَّنا
ورُبَّما مرَّ لديها حبرج ... كأنَّه على نضارٍ يدرج
وانْقضَّ من بعض الجبال النّسر ... له بأبراج النجوم وكرُ
مغبرُّ الخلق شديد الأيدي ... يبني على الكسرِ حروف الصيدِ
وكلّ كركيّ عجيب السير ... كأنَّه طيف خيال الطير
ما بينَ أحشاء الظلام يسري ... من أرضِ بغداد لأرض مصرِ
يحثّ مسراه عقاب كاسره ... خافضة لحظ الطيور ناصبه