تعلَّمت نوح الحمام الهتَّف ... أيام كانت ذات فرعٍ أهيفِ
فكلّها من الحنينِ قلبُ ... لا سيَّما والماء فيها صب
لله ذاكَ السفح والوادِي الغرد ... والماء معسول الرضاب مطَّرد
يصبو لها الرائي ويهفو السامع ... ويحمد العاصي فكيفَ الطائع
إذ نظرت للربى والنهر ... فارْوِ عن الربيع أو عن جعفرِ
محاسن تلهي العيون والفكر ... ربيع روضات وشحرور صفر
أمام كلّ منزلٍ بستان ... وبين كل قرية ميدان
أما رأيت الوُرق في الأوراق ... جاذبة القلوب بالأطواق
فبادر اللذَّة يا فلان ... واغْنم متى أمكنك الزَّمان
ولا تقل مشتى ولا مصيفُ ... فكل وقتٍ للهنا شريف
كلّ زمانٍ يتقضَّى بالجذلْ ... زمان عيش كيفما دارَ اعْتدلْ
أحسن ما أذكر من أوقاتِهِ ... وخير ما أبعث من لذَّاته
برُوزنا للصيدِ فيهِ والقنص ... وحورنا من مرِّه أحلى الفُرَصْ
وأخذنا الوحشَ من المسارب ... وفعلنا بالطيرِ فوقَ الواجب
لما دنَا زمان رمي البندق ... سرنا على وجهِ السُّرور المشرق
في عصبة عادلة في الحكم ... وغلمة مثل بدور التمّ
من كلِّ مبعوثٍ إلى الأطيارِ ... تظله غمامة الغبارِ
وكلّ معسول الشباب أغيد ... منعطف عطف القضيب الأملد
قد حمدَ القوم بهِ عقبى السفر ... عند اقْتران القوس منهُ بالقمر
لولا حذار القوس في يديهِ ... لغنَّت الورق على عطفيه
في كفِّه محنيَّة الأوصال ... قاطعة الأعمار كالهلال
زهراء خضراء الإهاب معجبه ... ممَّا ثوت بين الرياض المعشبه
فاغرة الأفواه للأطيار ... طالبة لهنَّ بالأوتار
كأنَّها حولَ المياه نون ... أو حاجب بما تشا مقرون
لها نبات بالمنى مغدوقة ... من طيبةٍ واحدة مخلوقة