أتى الشام من مصرٍ ولم نر مثله ... غماماً أتى من مصر للشام ممطرا

فنور مرعى القاصدين وسبلهم ... فيا لك في الحالين روضاً منوَّرا

ومد يد النعمى إلى كل فضة ... دنا وَرَقٌ منها إليه فأثمرا

وقابل أسرار الملوك بصدره ... وأورد عنهم باليراع وأصدرا

وأخدمهم من رأيه ومداده ... صواباً كما ترضى الملوك وعنبرا

وصان حمى الإسلام بالقلم الذي ... إذا مد حبراً خلت درًّا محبرا

ونظم أسلاك السطور فحليت ... من التاج أجياد الممالك جوهرا

وصادفني في معشرٍ بديارهم ... بعيداً من الحيَّين داراً ومعشرا

فكمل منقوصاً من اسمي لديهم ... وعرفني فيهم وكنت منكرا

ويسر من رزقي بيمن بنانه ... فيمَّن ما شاءت يداه ويسرا

وحاول جبري رأفة وتعطفاً ... وقد كان جمع الحال جمعاً مكسرا

وأثنى على جهدي بما هو أهله ... وأظهر أفعال الجميل وأضمرا

فما ليَ لا أثني علي جود كفه ... لديَّ كما أثنى على المطر الثرى

وأبكي بلفظ من رثاء وأدمع ... منظمَ درٍّ تارةً ومنثرا

على ذاهب قد كان للقصد ملجأً ... وللظن مرتاداً وللعين منظرا

وعاد إلى جنات عدن تزينت ... ونحن إلى نيران حزن تسعرا

فلهفي على دنيا العفاة تنكرت ... ولهفي على ربع السماحة أقفرا

ولهفي على بيت السيادة والتقى ... ولهفي على حي القراءة والقرى

ولهفي على حكم تحف بلينه ... بوادر تحمي صفوه إن يكدرا

ولهفي على رأي يضيء به الهدى ... إذا النجم في أفق السماء تحيرا

ولم أنس مسرى نعشه يوم جمعة ... تجمع هماً كالخميس إذا سرى

ولهفي على جار من الجود طالما ... جرى معه صوب الحيا فتعطرا

وقد وعظتنا الحال منه كأنه ... خطيب رقى من صهوة النعش منبرا

مواعظ من حيث السكوت وإنها ... لأبلغ من نطق الفصيح إذا انبرى

كأن لم يسر والكاتبون أمامه ... يجهز وفداً أو يجهز عسكرا

كأن لم يجل يومي وغى وسماحة ... يراعاً كما سُل القضيب وأزهرا

طور بواسطة نورين ميديا © 2015