وندرك فظاعة هذا الهجاء في تصوير التغلبية وهي سكرى إذا عرفت أن العرب في جاهليتهم وإسلامهم كانوا يشتدون على النساء فلا يسمحون لهن بشرب الخمر، حتى وإن تعاطاه بعض رجالهم كم يقول ابن قتيبة، لم يحفظ أن امرأة شربت ولا أن امرأة سكرت".
وكذلك يطعن الفرزدق بما يقارف من الزنا والخمر فيقول:
يقول لك الخليل أبا فراس ... لحا الله الفرزدق من خليل
وما يخفى عليك شراب حد ... ولا ورهاء غئبة الحليل
إذا دخل المدينة فارجموه ... ولا تدنوه من جدث الرسول
ويقول له:
إذا ما شربت البابلية لم تبل ... حياء ولا يسقى عفيفا عصيرها
رأيتك لم تعقد حفاظا ولا حجى ... ولكن مواخيرا تؤدى أجورها
ولولا أن الخمر كانت محقورة في نفوس المسلمين يومذاك لما كان لهجاء جرير خصومة بشربها أدنى أثر في النيل منهم".
ولا عجب – والهجاء بها من أقذع الذم أن نسمع مالك بن أسماء الفزاري يهجو قوما بأنهم أدمنوا الخمر حتى ألفت كلابهم ريحها النتنة، فلا تنبح من يأتيهم وفيه رائحة الخمر وإنما تنبح من تشم فيه رائحة المسك والعنبر، لأنها ألفت من أصحابها نتن ريحها وتأنس إلى من كان مثلهم في القذارة والعفونة، وذلك حيث يقول:
لو كنت أحمل خمرا يوم زرتكم ... لم ينكر الكلب أني صاحب الدار
لكن أتيت وريح المسك يفغمني ... وعنبر المسك أذكيه على النار
فأنكر الكلب ريحي حين أبصرني ... وكان يعرف ريح الزق والقار