ولا يعدم الباحث في فنون الأدب العربي عبر العصور الإسلامية المختلفة. أن يجد تجارب الشعراء والأدباء الذين وعظتهم السنون وشغلهم الحياء عن معاقرتها بعد أن كانوا من المولعين بها، وممن وعظتهم التجارب فأقلعوا عنها الشاعر المشهور "الأقيشر الأسدي" الذي عمر طويلا إذ ولد في الجاهلية ونشأ في الإسلام، وله في الخمر شعر يصور امتناعه عنها.
وصهباء جرجانية لم يطف بها ... حنيف ولم تنغر بها ساعة قدر
أتاني بها يحيي وقد نام صحبتي ... وقد غابت الجوزاء وانغمس النسر
فقلت اغتبقها أو لغيري فاهدها ... فما أنا بعد الشيب ويبك والخمر
إذا المرء وفى الأربعين ولم يكن ... له دون ما يأتي حياء ولا ستر
فدعه ولا تنفس عليه الذي ارتأى ... وإن جر أسباب الحياة له العمر
وقد احتال بعض المترخصين فابتدعوا النبيذ وادعوا حله وفرقوا بينه وبين الخمر، فزينوه وأغروا به العامة والخاصة، ولكن الفقهاء والصالحين من أئمة المسلمين حاربوا بسلوكهم وأقوالهم هذه البدعة التي ترخص في شرب الأنبذة بضروبها وأشكالها المختلفة، وما لبثت هذه البدعة ومقاومتها أ، وجدت سبيلها على ألسنة الشعراء والأدباء، يقول أبو الأسود الدؤلي:
دع الخمر تشربها الغواة فإنني
رأيت أخاها مجزئا بمكانها
فلما سئل عن نبيذ الزبيب قال:
فإلا يكنها أو تكنه فإنه
أخوها غذته أمه بلبانها