Q فضيلة الشيخ! تكلمت عن الإخلاص فكيف نحصله؟
صلى الله عليه وسلم الإخلاص لله عز وجل نور يقذفه الله في القلوب, ومن أعظم الأسباب التي تعين على الإخلاص أن تكثر من دعاء الله عز وجل أن يجعل أقوالك وأعمالك خالصة لوجهه الكريم, فإننا لا نستطيع بحولنا وقوتنا أن نكون مخلصين، ولكن التوفيق من الله سبحانه وتعالى كما قال تعالى: {وَمَا تَوْفِيقِي إِلَّا بِاللَّهِ} [هود:88].
فإذا افتقرت إلى الله أغناك, وإذا علم الله أنك تحب الإخلاص وفقك إليه ويسره لك، ولذلك أكثر من دعاء الله: اللهم إني أسألك الإخلاص في القول والعمل, اللهم اجعل عملي خالصا لوجهك, دائماً تكثر منها, إذا خرجت من بيتك في الصباح تكثر من هذا الدعاء, إذا كنت في السجود بين الآذان والإقامة التي ثبتت بها الأحاديث الصحيحة، تدعو الله أن يجعل قلبك مخلصاً لوجهه الكريم, وتعتذر إلى الله من كل رياء ومن كل شرك في عملك وقولك حتى ينفحك الله برحمته وييسر لك هذا الأمر العظيم.
الأمر الثاني مما يعين على الإخلاص: كثرة قراءة القرآن مع التدبر والتأمل {إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ} [الإسراء:9] فالإخلاص من عمل القلوب, ويحتاج الإنسان إلى هاد يهديه وهو القرآن, فإنه قل أن تجد إنساناً يكثر من تلاوة القرآن إلا عمر الله قلبه بالإخلاص؛ لأن القرآن فيه الوعد والوعيد والبشارة والنذارة والتخويف والتهديد فيكسر القلوب لله جل جلاله, والقرآن يخرجك من ضيق الدنيا إلى سعة الآخرة, وينزعك من مراقبة العباد إلى مراقبة رب العباد سبحانه لا إله إلا هو, ولذلك إذا أردت الإخلاص أكثر من تلاوة القرآن.
ثالثاً: زيارة المقابر، فتجعل لك ولو في الأسبوع مرة واحدة تزور فيها المقابر، وتنظر إليها حتى تحتقر هذه الدنيا التي أنت فيها، فتصبح أعمالك وأقوالك لهذا الذي أنت مقبل عليه, وتذكر دائماً أنك في مثل هذه اللحظة ستمر عليك وأنت رهين الأحداث والبلاء, لا مال ولا بنون, لا يكون للإنسان إلا ما عمل وأراد به وجه الله جل جلاله.
فلذلك من الأمور التي تعين على الإخلاص كثرة ذكر الآخرة، {إِنَّا أَخْلَصْنَاهُمْ بِخَالِصَةٍ} [ص:46] كأن سائلاً سأل: ما هي؟ فقال: {ذِكْرَى الدَّارِ} [ص:46] هذه من خاصة ما يصطفي الله عز وجل, فإذا ملأ الله قلبك بذكر الآخرة أخلصت لله سبحانه وتعالى.
ولذلك لا تجد إنساناً قلبه مليءٌ بالدنيا ويخلص أبداً, القلب وعاء إما دنيا وإما آخرة, فمن الأسباب التي تعين على الإخلاص كثرة ذكر الآخرة.
ومن الأمور التي تعين على الإخلاص: قراءة سير العلماء، فعندك كتب مثل: سير أعلام النبلاء , وكتاب البداية والنهاية لـ ابن كثير , وغيرها من الكتب، فقراءة التاريخ, وقراءة سير السلف الصالح؛ لأنها تحيي في النفوس الهمة العالية للخير, ثم تضعك أمام قدوة، ولذلك قال الله عز وجل: {وَكُلّاً نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنْبَاءِ الرُّسُلِ مَا نُثَبِّتُ بِهِ فُؤَادَكَ} [هود:120] فقصص الصالحين تثبت الفؤاد, وتثبت القلوب.
فمن الأمور التي تعين على الإخلاص قراءة سير العلماء، قال الإمام أبو حنيفة: سير العلماء أحب إلينا من كثير من مسائل الفقه.
هذه من الأمور التي تعين على الإخلاص, فيحرص الإنسان دائماً على قراءة هذه السير.
النقطة الأخيرة: استشعار عاقبة الإخلاص، تصور لو أنك واقف بين يدي الله جل جلاله, وعرض على الله جميع ما قلت وما عملت, فقال الله لك سؤالاً واحداً: هل أردت بهذا وجهي أو غيري؟ فهو أمر عظيم, والله يا إخوان إنه أمر عظيم، كان بعض السلف إذا قيل له: حدثنا، يقول: حتى تأتينا النية, لا يستطيع أن يحدث حتى يستشعر أنه يتحدث لله سبحانه وتعالى, فلذلك يقول سفيان الثوري إمام العلم والعمل في زمانه: ما وجدت أشد عليّ من نيتي إنها تتقلب عليّ, أي: ما قابلت شيئاً أعظم ولا أشد من قلبي.
إنها تتقلب علي, أي: تارة أصرفها للآخرة فتنقلب إلى الدنيا وإلى الناس, حتى لو غيرتَ المنكر يأتيك يقول: ما شاء الله سار الناس يذكرونك, وأنت كذا، وهذا شيء طيب، وتسمع الذكر في المجالس ابتلاءً, وتمحيصاً, وقد تجد الرجل يخلص ويخلص إلى آخر لحظة فيأتيه شخص ويقول: ما شاء الله فعل الله بك كذا, وصنع الله بك كذا, فيعجب فيهلك, قال مطرف رحمه الله: [لأن أبيت نائماً وأصبح نادماً أحب إليَّ من أبيت قائماً وأصبح معجباً].
فلذلك ينبغي للإنسان أن يخاف, وإياك وفتنة المدح والثناء, خاصة الذي يمدحك في وجهك، فاتق الأمور التي تحول بينك وبين الإخلاص، والله تعالى أعلم.