Q هل تذمر الرجل من تجاهل أعماله، وعدم الشكر على أعماله, وظهور ذلك في نفسه رغبة للشكر, هل يطفئ من إخلاصه وينقصه؟
صلى الله عليه وسلم إذا كنت تعمل لله فانتظر شكر الله جل جلاله, فإن الله لا يضيع أجر من أحسن عملا، {إِنَّا لا نُضِيعُ أَجْرَ مَنْ أَحْسَنَ عَمَلاً} [الكهف:30] فشهد الله من فوق سبع سماوات أن من عمل له عملاً صالحاً، أنه لا يضيع أجر من أحسن عملاً, فتحرص -بارك الله فيك- على أن لا تنتظر إلا ثناء الله, ولا تنتظر إلا مدح الله عز وجل, فإذا فعلت ذلك فإن الله سيجمع لك مدح الدنيا والآخرة, وفي الحديث -وقد حسنه بعض العلماء- يقول فيه النبي صلى الله عليه وسلم: (إن للعبد صيتين -أي: سمعتين- صيتاً في السماء وصيتاً في الأرض, فإذا عظم صيته في السماء وضع له في الأرض) وتجد العلماء لهم في الأرض محبة وذكر, حتى إن كثيراً من العوام يسمع بالشيخ فلان فيحبه ولو لم يره, قد يكون يحبه ولو لم يسمع منه كلمة, ولكن مما سمع من أقواله وأفعاله, لماذا؟ لأن الله وضع له صيتاً في السماء ثم وضع له في الأرض.
فأنت إذا عملت ابتلاك الله, ومن ابتلاءات الله أنه قد ينسي من فوقك أن يشكرك, قد يكون الله يحبك؛ لأنه لو شكرك فتنت, فأصبحت تعمل للشكر, فقد يريد الله أن يصطفي قلبك له جل جلاله, فلا يجعل أحداً يحمدك ولا أحداً يشكرك, فتصبح واضعاً بصرك في الأرض مطأطأ الرأس كأنك مغمور لا أحد يشعر بك, والخفي له مكانة عند الله سبحانه وتعالى, هذا العبد الخفي: (طوبى لعبد آخذ بعنان فرسه إن كان في الساقة ففي الساقة …) إن قالوا له: تقدم، تقدم, قالوا: تأخر، تأخر, المهم أن يعمل في طاعة الله عز وجل.
الأمر الثاني: إحسان الظن, فهو من الأمور المهمة سواء في أمور الدين أو الدنيا، إذا أحببت أن يتسع العيش, وكانوا يقولون: من سعادة الإنسان -دائماً- أنه إذا وجد شيئاً يعتبر خطأ ممن هو فوقه أو من هو مثله أو ممن هو دونه, التمس له مخرجاً, سبحان الله! إذا حصل شيء كأن لم تشكر فقلت: إنهم نسوني, أو مشغولون, لو كنت مكانهم لشغلت, ثم هذا واجب عليّ فلا أنتظر فيه شكراً, لما تلتمس له مخرجاً يتسع قلبك, لكن بمجرد أن يضيق الإنسان، هؤلاء ما يشكرون, ويبدأ يتذمر فيدخل الشيطان عليه فيقول له: أنت لا أحد يشكر عملك, إذاً لا تعمل، ويبدأ -والعياذ بالله- تنحل عقد الخير منه عقدة عقدة, وتنحل عزيمته على الخير عقدة عقدة؛ لأنه يعمل للناس لا لرب الناس -نسأل الله السلامة والعافية- فهذا من أعظم الابتلاء.
فانتظر شكر الله واحمد لله جل جلاله أن صرف عنك فتنة المدح خاصة في أمور الدين, الإنسان يحرص على أن ينتظر ثناء الله سبحانه وتعالى لا ثناء أحد سواه, فأنعم بها، فهذه نعمة من الله سبحانه وتعالى, ولله حِكَم, بعض العلماء قد يعيش في زمانه لا يحمده أحد, شيخ الإسلام ابن تيمية -لو تقرأ سيرته- كان أعداءه وخصومه من كل حدب وصوب، ولما توفي وضع الله له القبول من الذكر والتعظيم, حتى إذا قيل: شيخ الإسلام؛ ما يُنصرف إلا إليه, هذا ابتلاء من الله سبحانه وتعالى, قد يعلم الله أنه لو وضع لك الشهرة أمام الناس تفتن, سبحانه! ما أحلمه! وألطفه! وارحمه بعباده.
نسأل الله العظيم أن يجعل قلوبنا له, وأن يجعل شكرنا منه سبحانه وتعالى، والله تعالى أعلم.