الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين، وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعد: فالسلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وأسأل الله العظيم في بداية هذا المجلس المبارك أن يجزي من تسبب فيه خير الجزاء، وأن يشكر مسعى الجميع، وأن يجعل القول خالصاً لوجهه، والعمل موجباً لمحبته ومرضاته.
أيها الأحبة في الله: إن المؤمن كلما بعد زمانه عن عهد النبي صلى الله عليه وسلم عظمت غربته، واشتدَّت فتنته ومحنته وبليته، وقد أشار النبي صلى الله عليه وسلم إلى هذا المعنى بقوله: (ما من زمانٍ إلا والذي بعده شرٌ منه حتى تقوم الساعة) بدأ هذا الدين غريباً، بدأ بداعية إلى الله، ورسولٍ أحبه الله، فحمل أعباء الرسالة، وقام بواجبات الأمانة، فبلغ الرسالة على أتمِّ الوجوه وأكملها، وأدى الأمانة على أتم الوجوه وأكملها، صلوات ربي وسلامه عليه إلى يوم الدين.
بدأ به هذا الدين، ثم انتشر بين الخلق والعالمين، فاستضاءت به الأنوار في المشارق والمغارب؛ ففتح الله به القلوب، وشنف به الأسماع، وطهر به الجوارح من أدناس الجاهلية، وأدران الشرك والوثنية، وصاغ العباد بالطاعة والعبودية والحنيفية، وما زال هذا الدين يسطع نوره، وتشرق تلك الأنوار على مشارق الأرض ومغاربها، حتى بلغ ما شاء الله أن يبلغ، ثم بدأت الفتن والمحن والويلات والآهات، وغير ذلك من النكبات، والفجائع المبكيات، حتى فرقت شمل المسلمين، وقوضت معالم الدين، وأصبح العبد في غربةٍ عن رسالة سيد الأنبياء والمرسلين صلوات الله وسلامه عليه.
بدأت هذه الغربة، فضعف المسلمون من بعد قوة، وتفرقوا من بعد اجتماع، وخارت قواهم، وتشتت أذهانهم وأفكارهم، وكل ذلك بقضاء الله وقدره، والله غالبٌ على أمره، ولكنَّ كثيراً من الناس يجهلون ذلك، ولا يعلمون بحكمة الله التي هي من وراء ذلك.