Q طفت طواف الوداع، ثم ذهبت إلى المطار، فوجدت أني نسيت بعض الأغراض فرجعت إلى مكة، فهل يجب علي أن أعيد طواف الوداع؟
صلى الله عليه وسلم من طاف طواف الوداع ثم صدر ورجع مرة ثانية؛ فالعبرة بخروجه الأول، وعند العلماء وجهان: بعض أهل العلم رحمهم الله يقول: إذا صدر إلى مسافة القصر ثم رجع ثانية؛ فإنه قد انتهى طواف الوداع ولا يلزمه طواف وداع ثانٍ؛ لأنه قد أنشأ سفراً بعد السفر الأول، وحينئذ يلغى، ولو قلنا: كل شخص يعيد لكان كل شخص خرج من مكة ورجع إليها مرة ثانية يلزمه أيضاً أن يعيد طواف الوداع، ولا قائل بهذا.
ومن هنا قالوا: إنه إذا صدر عن البيت فالعبرة بطواف الوداع عند صدوره الأول.
وأما إذا كان دون مسافة القصر وخرج فعلى ضربين: الضرب الأول: أن يخرج خروجاً قاصداً به الانفصال عن البيت؛ كأن يكون له غرض، أو يكون عنده أهل في الجموم، أو أهل -مثلاً-في عسفان، أو له قرابة أو جماعة في منطقة تبعد عن مكة دون مسافة القصر، خرج فزارهم ثم رجع، فأيضاً العبرة بالصدور الأول؛ لأن الخروج إلى هذا الغرض يعتبر خروجاً.
وفي الحديث الصحيح عن أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها -في صحيح مسلم وغيره- أنها قالت: (كان الناس يصدرون من فجاج منى وعرفات؛ فأمروا أن يجعلوا آخر عهدهم بالبيت طوافاً) وهذا قد صدر وخرج، ولذلك صح طوافك للوداع الأول ويجزيك إن شاء الله.
والله تعالى أعلم.
مداخلة: مثلاً شخص يخرج لمجرد خروجه من حدود مكة يتذكر غرضاً له في الفندق، أو عند جماعة، أو يتصل عليه شخص ويقول له: اذهب إلى فلان في مكة وخذ من عنده الحقيبة أو غرضاً، فيرجع مرة ثانية، فإن رجع مرة ثانية بعد خروجه من مكة وبقي بعد هذا الخروج بقاءً يقطع الوداع -وهو الذي ذكره العلماء: بقاء القصر- فإنه حينئذ يلزمه أن يعيد طواف الوداع.
أما في الأول وقد قال: خرجت إلى المطار، وصدرت صدوراً صادقاً للحاجة، ثم بعدما ذهبت وخرجت تبين أن الرحلة متأخرة فرجعت.
فحينئذ قد انقطع جلوسك الأول، وصح طوافك الأول للوداع، ولا تأثير لرجوعك الثاني.
ولا يستثنى إلا هذه الحالة التي ذكرناها: إن رجع قريباً من مكة -وأشار إليه بعض الأئمة رحمهم الله، وفي كلام الإمام ابن قدامة رحمه الله ما يشير إلى ذلك- يعني: بمعنى أنه ما بلغ مسافة القصر، ومثلاً خرج من مكة، ولما كان في التنعيم رجع مرة ثانية مباشرة وجلس، فمثلاً بات بمكة أو جلس أو تغدى عند الرجل أو تعشى عنده فحينئذ انقطع الوداع، ويلزمه أن يعيد الوداع مرة ثانية.
أما إذا كان الخروج لحاجة وغرض، وبلغت هذا المقصد الذي تريده، وأنت في خروجك الأول قد قطعت العلائق عن مكة، وليس عندك نية للرجوع، ثم حصل طارئ ويجب عليك الرجوع؛ فالعبرة بخروجك الأول لا بخروجك الثاني.
والله تعالى أعلم.