وكذلك فإن الإنسان يستحضر أن الذين يشهدون الموقف كثير منهم لن يشهده أبداً، فلا يعود عليه هذا اليوم إلا وهو تحت التراب وبين الجنادل، وأن الذين شهدوه كذلك من الماضين قد تفاوتوا هذا التفاوت العجيب، وأن هذا المكان على مر الزمان يأتي فيه الناس لتجديد هذا العهد مع الله سبحانه وتعالى.
ويستحضر الإنسان شعائر الله سبحانه وتعالى وما جاء في تعظيمها، كما قال تعالى: {ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ} [الحج:32] , ويستحضر أن الصفا والمروة من شعائر الله، كما قال سبحانه وتعالى: {إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ} [البقرة:158] , ويستحضر كذلك هذا البيت العتيق الذي أعتقه الله تعالى من العبادة في الدنيا فلم يعبده المشركون الذين كانوا يعبدون الحجارة، وإذا لم يجد أحد منهم ما يعبده من الحجارة جمع ربوة من تراب فحلب عليه شاة فإذا يبس لبنها اتخذه صنماً، وكان عمر بن الخطاب في الجاهلية يتخذ صنماً من تمر، فإذا جاع أكله ثم اتخذ صنماً آخر، ومع هذا فلم يعبدوا هذه الكعبة، فقد أعتقها الله تعالى وشرفها عن ذلك، فلم يعبدوا الكعبة ولم يعبدوا الحجر الأسود ولم يعبدوا مقام إبراهيم.
ومن هنا يستحضر الإنسان ما جاء في حديث ابن عباس: (الحجر الأسود يمين الله في الأرض، فمن استلمه أو قبله فكأنما قبل يمين الرحمن)، وكذلك ما جاء في استجابة الدعاء في الطواف وفي السعي، وما جاء في استجابة الدعاء بعد رمي الجمرة الصغرى وبعد رمي الجمرة الوسطى، وما جاء في استجابة الدعاء بعرفات، وما جاء في الوقوف بجمع بمزدلفة، ذلك الوقوف الذي بينه الله تعالى في كتابه وأمر به: {فَإِذَا أَفَضْتُمْ مِنْ عَرَفَاتٍ فَاذْكُرُوا اللَّهَ عِنْدَ الْمَشْعَرِ الْحَرَامِ وَاذْكُرُوهُ كَمَا هَدَاكُمْ وَإِنْ كُنتُمْ مِنْ قَبْلِهِ لَمِنْ الضَّالِّينَ * ثُمَّ أَفِيضُوا مِنْ حَيْثُ أَفَاضَ النَّاسُ وَاسْتَغْفِرُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ} [البقرة:198 - 199].