ومن هنا فإن على الإنسان إذا أقبل على الصلاة أن يطيل النفس في الصلاة، وأن يعلم أن هذا الوقت الذي يقتطعه من وقته هو الوقت الذي أذن له الله بالمناجاة فيه، فلا تطول عليه ولا تثقل عليه فإنها لا تثقل على الخاشعين، لذلك فإن الرسول صلى الله عليه وسلم كان يطيل في الركوع والسجود، ويطيل الركعتين الأوليين ويخفف الركعتين الأخريين، ويجعل ركوعه قريباً من قيامه، وسجوده قريباً من ركوعه، وقال أنس بن مالك رضي الله عنه عندما صلى وراء عمر بن عبد العزيز: (ما صليت بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم خلف أحد أشبه صلاة برسول الله صلى الله عليه وسلم من هذا الفتى.
فقيل له: ماذا كان يصنع؟ فقال: كان يطيل الركوع والسجود ويخفف القيام والجلوس).
وقال سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه عندما شكاه أهل الكوفة إلى عمر أنه لا يحسن الصلاة: (بالله الذي لا إله إلا هو لقد صليت بهم صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم.
قال عمر: ذلك الظن بك يا سعد، فماذا كنت تصنع؟ قال: كنت أركد في الأوليين وأخف في الأخريين) (أركد) معناها: أطيل.
إن كثيراً من الناس تطول عليه هذه الصلاة، وتشق عليه مشقة عظيمة، ولا يشق عليه الوقوف في الشارع وانتظار سيارات الأجرة لحاجته، فيمكث نصف ساعة أو أكثر على الشارع ينتظر السيارات، ويقضي كثيراً من أوقاته في متابعة البرامج الإذاعية أو التلفازية، ويجلس للمناقشة والكلام العادي فتمر عليه الساعات دون أن يشعر بطولها، وهو الآن يناجي ربه سبحانه وتعالى، يناجي ديان السماوات والأرض، فلماذا تطول عليه هذه المدة طولاً شديداً؟ ولماذا يضن على نفسه بهذه اللحظات التي يتطهر بها ويقبل بها على الله سبحانه وتعالى؟ إن هذا من عمل الشيطان لا محالة، وإن كثيراً من الناس لا تأتيه أشغاله وانشغالاته ولا يضيق وقته إلا إذا دخل المسجد وجاء إلى الصلاة، وإن العجيب في هذا الأمر ما شاهدناه من بعض الناس، فنحن نعلم علم اليقين أننا يجب علينا أن نؤمن بالغيب، وأن نعلم أن الشيطان يوسوس للإنسان في الصلاة، ولكن كثيراً ما يخرج هذا عن عالم الغيب إلى عالم الشهادة، فنرى الإنسان العاقل اللبيب إذا دخل الصلاة فعل أفعالاً لم يكن يفعلها في غير الصلاة كأنه يتخبط من مس الشيطان، ألا تشاهد هذا؟ تراه يعبث بأظافره، ويمس بأصابعه ريقه ويمسح به بعض الأماكن من بدنه، ويتصرف تصرفات غير مضبوطه، ويكثر الحركة، بل كثيراً ما يلتفت في الصلاة، وقد سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الالتفات في الصلاة، فقال: (اختلاس يختلسه الشيطان من صلاة أحدكم)، وقال: (لا يزال الله مقبلاً على العبد وهو في صلاته ما لم يلتفت، فإذا التفت أعرض عنه وقال: يا ابن آدم! إلى من تلتفت؟ أنا خير مما التفت إليه).
إن ما نشاهده من حركات بعض الناس وتصرفاتهم في الصلاة يخرج وسوسة الشيطان من أن تكون من عالم الغيب إلى أن تكون من عالم الشهادة، فنحن نراها ونعلم أنه لو كان في خارج الصلاة لم يتصرف هذه التصرفات أبدا.
وتشاهد أيضاً أن كثيراً من الناس يأتيه الشيطان بالوسوسة في الطهارة ولا يأتيه بالوسوسة في غيرها، فترى هذا حتى يكون من عالم الشهادة لا من عالم الغيب، تراه إذا عد النقود لا يوسوس في عدها، إذا عد ثلاثة آلاف لا يمكن أن يحسبها أربعة أو خمسة، لكن إذا عد ثلاث غسلات توهمها ثلاثاً أو خمساً وهكذا، فيأتي الوسواس في أمور العبادة وفي أمور الصلاة، وقد بيَّن الرسول صلى الله عليه وسلم: أن الشيطان الموسوس في الصلاة شيطان اسمه (خنزب)، وأن من وجده فإنه عليه أن يستعيذ بالله منه، وأن ينفث عن يساره ثلاثاً)، كما أخرج ذلك مسلم في الصحيح من حديث عثمان بن أبي العاص رضي الله عنه.
وكذلك شيطان الطهارة فهو شيطان اسمه (الولهان)، وهو يوسوس للإنسان في طهارته.