التميُّز

الوسيلة الرابعة: هي التميُّز؛ فإن الله تعالى يقول: {وَمَا أَنَا مِنْ الْمُشْرِكِينَ} [يوسف:108]، فإذا كان الداعية يفعل ما يدعو الناس إلى تركه، ويترك ما يدعوهم إلى فعله، فلا يمكن أن يستجاب لدعوته، ولا أن يطاع لأمره؛ ولذلك فإن الله تعالى حكى عن خطيب الأنبياء شعيب عليه السلام أنه قال: {وَمَا أُرِيدُ أَنْ أُخَالِفَكُمْ إِلَى مَا أَنْهَاكُمْ عَنْهُ إِنْ أُرِيدُ إِلاَّ الإِصْلاحَ مَا اسْتَطَعْتُ وَمَا تَوْفِيقِي إِلاَّ بِاللَّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ} [هود:88].

وأبو الأسود الدؤلي رحمه الله يقول: يا أيها الرجل المعلم غيره هلا لنفسك كان ذا التعليمُ تصف الدواء لذي السقام فذي الضَّنَا كيما يصح به وأنت سقيمُ وأراك تلقح بالرشاد عقولنا أبداً وأنت من الرشاد عقيم ابدأ بنفسك فانهها عن غيِّها فإذا انتهت عنه فأنت حكيمُ فهناك يُقبل ما تقول ويشتفى بالقول منك وينفع التعليمُ لا تنه عن خلقٍ وتأتِيَ مثلهُ عار عليك إذا فعلت عظيمُ ويقول الآخر: فإنك إذ ما تأتِ ما أنت آمر به تلفِ من إياه تأمرُ آتيَا وفي رواية: فإنك إذ ما تأبى ما أنت آمر به تلف من إياه تأمرُ آبيا والتميز يقتضي من الإنسان الذي يدعو إلى طريق الحق ألا ينساق مع الناس فيما هم فيه، فإذا تنافسوا على أمور الدنيا تذكر قول الله لرسوله - صلى الله عليه وسلم -: {وَلا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلَى مَا مَتَّعْنَا بِهِ أَزْوَاجاً مِنْهُمْ زَهْرَةَ الْحَيَاةِ الدُّنيَا لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ وَرِزْقُ رَبِّكَ خَيْرٌ وَأَبْقَى * وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا لا نَسْأَلُكَ رِزْقاً نَحْنُ نَرْزُقُكَ وَالْعَاقِبَةُ لِلتَّقْوَى} [طه:131 - 132].

وإذا جزعوا أو حزنوا لأمرٍ دنيوي فاتهم، أو فرحوا بأمر دنيوي أحرزوه، تذكر قول الله تعالى: {لِكَيْلا تَأْسَوْا عَلَى مَا فَاتَكُمْ وَلا تَفْرَحُوا بِمَا آتَاكُمْ} [الحديد:23]، وهكذا.

فهذه الوسائل الأربع تضمنتها هذه الآية الكريمة {قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنْ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَمَا أَنَا مِنْ الْمُشْرِكِينَ} [يوسف:108].

أما الوسائل الثلاث الأخر فقد تضمنتها آية النحل، وهي قول الله تعالى: {ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ} [النحل:125].

طور بواسطة نورين ميديا © 2015