الفرق بين الخلق والفعل

وهنا أيضاً أمر آخر يغلط فيه الناس، وهو الفرق بين الخلق والفعل، فالله خالق كل شيء، خلق العبد، وخلق فعل العبد، والفعل يصدر من الله ومن المخلوق، فالله يفعل ما يشاء، والعبد يفعل ما يشاء أيضاً، لكن العبد لا يخلق، والله يخلق، فكل أفعال العبد من خلق الله، وكل أفعال الله من خلق الله، ولكن أفعال العبد من فعل العبد وليست من فعل الله، فإذا زنى العبد فهذا الفعل فعل العبد لا فعل الله، وإذا سرق فهذا فعل العبد لا فعل الله، لكنه خلق الله، وهنا الفرق بين الخلق والفعل، فالخلق لا تكليف به ولا يستطيع المكلف التدخل فيه، والفعل مباشرة المكلف لتنفيذ ما كتب عليه، فالمكلف يثاب ويعاقب على حسب الفعل لا على حسب الخلق، فهو لا يملك شيئاً من الخلق وإنما يملك الفعل.

وهنا ينبغي أن نعلم أن أفعال المكلف عموماً منها ما يكون فعلاً للمكلف وخلقاً لله، مثل الزنا من المكلف -مثلاً- أو السرقة، فهذا فعل صادر من المكلف وخلق من خلق الله، ومنها ما يكون فعلاً لله وخلقاً لله، كإنزال المطر، فهو فعل الله وخلق الله، ليس للمكلف فيه دخل، فالمكلف هل يستطيع إنزال المطر؟! لا يستطيع إنزاله، فإنزال المطر من خلق الله ومن فعل الله، لكن يستطيع الزنا أو السرقة، فهذا من فعل المخلوق ومن خلق الله، فلذلك لا تنسب أفعال المخلوق إلى الله على أنها فعل الله، لكنها تنسب إليه على أنها خلق الله.

ومن هنا نعلم أن لله نوعين من أنواع الإرادة: إرادة كونية، وإرادة تشريعية.

فالإرادة الكونية هي المتعلقة بالخطاب القدري.

والإرادة التشريعية هي المتعلقة بالخطاب الشرعي.

فالإرادة الكونية اسمها المشيئة وتختص بذلك، والإرادة الشرعية اسمها الأمر، وهنا يفترق الحال، فقد يأمر الله بشيء ولا يريد وقوعه، وقد يشاء شيئاً وهو لا يأمر به.

ومن هنا نعلم أن أفعال المكلف فيما يتعلق بالإرادتين أربعة أقسام: القسم الأول: ما تعلقت به الإرادتان معاً، وهو الأعمال الصالحة من رسول الله عليه وسلم مثلاً ومن المحسنين، فهذه الأعمال الصالحة أرادها الله إرادة كونية؛ لأنها وقعت، وأرادها إرادة تشريعية؛ لأنه أمر بها وشرعها، فصلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم ألم يأمر الله بها؟ لقد أمره بها.

ألم يردها ويشأها؟ بلى؛ لأنها وقعت، إذاً فهذا القسم الأول.

القسم الثاني: ما لم تتعلق به واحدة من الإرادتين، فلم تتعلق به الإرادة الكونية ولم تتعلق به الإرادة الشرعية، وهو مثل الأعمال السيئة من الرسول صلى الله عليه وسلم، فهذه الأعمال ما أرادها الله إرادة شرعية؛ لأنه لا يأمر بالفحشاء، ولم يردها إرادة كونية؛ لأنها لم تقع، فإذاً هذا القسم الثاني.

القسم الثالث: الأعمال الصالحة من أبي جهل مثلاً، فهذه تعلقت بها الإرادة الشرعية دون الكونية، أرادها الله إرادة شرعية؛ لأنه أمره بها، ولم يرد بها إرادة كونية؛ لأنها لم تقع.

القسم الرابع: الأعمال السيئة من أبي جهل مثلاً، فهذه أرادها الله إرادة كونية؛ لأنها وقعت، ولم يردها إرادة شرعية؛ لأنه لا يأمر بالفحشاء.

ومن هنا أصبح من تمام الإيمان بالقدر أن نفرق بين الإرادة الكونية والإرادة التشريعية، وأن نحسن كذلك التفريق بين متعلق هاتين الإرادتين.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015