كذلك من فوائد هذه التوبة أن التائبين قد نالوا حظهم، وأخذوا بعض ما يرغبون فيه، فوفقوا بعد ذلك للتوبة فكانوا سعداء بهذا؛ لأن العبرة بالخواتيم لا بالمبادئ، والنبي صلى الله عليه وسلم قال: (إن أحدكم يجمع خلقه في بطن أمه أربعين يوماً، ثم يكون علقة مثل ذلك، ثم يكون مضغة مثل ذلك، ثم يرسل إليه الملك فينفخ فيه الروح، ويؤمر بأربع كلمات: بكتب رزقه، وأجله، وعمله، وشقي أو سعيد، فوالله الذي لا إله غيره إن أحدكم ليعمل بعمل أهل النار حتى ما يكون بينه وبينها إلا ذراع فيسبق عليه الكتاب فيعمل بعمل أهل الجنة فيدخلها، وإن أحدكم ليعمل بعمل أهل الجنة حتى ما يكون بينه وبينها إلا ذراع فيسبق عليه الكتاب فيعمل بعمل أهل النار فيدخلها)، فلذلك العبرة هنا بالخواتيم، ولو لم يبق من عمر الإنسان إلا ما هو بمثابة الذراع من الثوب فإذا وفقه الله سبحانه وتعالى فيه للإحسان، كان ذلك خيراً من كل ما مضى من أيام حياته، وفي حديث أبي موسى الأشعري رضي الله عنه: (أن رجلاً أتى النبي صلى الله عليه وسلم وقد حضره العدو، فقال: يا رسول الله! أسلم وأقاتل أم أقاتل ثم أسلم؟ قال: أسلم ثم قاتل.
فقال: أشهد أن لا إله إلا الله وأنك رسول الله.
فجرد سيفه فقاتل فقتل، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لقد عمل هذا قليلاً وأجر كثيراً) عمل عملاً يسيراً لكنه كان ختام حياته، وأجر كثيراً بسبب ذلك، فقد أصبح في الدرجات العلى لأنه أصبح من الشهداء، وهم الذين يلون الصديقين والأنبياء، ومن حسن عمله بعد أن كان فرط فهو من السعداء بذلك؛ لأن الله سبحانه وتعالى قد اختار له أن يكون من أهل الجنة، فتأتي اللحظات الأخيرة فتكون مغيرة لما قبلها، كما قال ابن الطثرية: ألا قل لأرباب المخائض أهلموا فقد تاب مما تعلمون يزيد وإن امرأ ينجو من النار بعدما تزود من أعمالها لسعيد فيسعد الله سبحانه وتعالى من شاء في هذه اللحظات الأخيرة.