الحمد لله رب العالمين، وأصلي وأسلم على من بعث رحمة للعالمين، وعلى آله وأصحابه ومن اهتدى بهديه واستن بسنته إلى يوم الدين.
أما بعد: فإن الله سبحانه وتعالى افترض على عباده أجمعين أن يتوبوا إليه، فقال تعالى: {وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} [النور:31]، وقال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَصُوحًا} [التحريم:8]، وهذه التوبة هي لطف من الله وفضل، وإقالة للعثرات، يقيل الله سبحانه وتعالى عثرات عباده الذين فرطوا في جنبه، فيفتح لهم باباً من قبل المغرب اسمه باب التوبة، لا يغلق حتى تطلع الشمس من مغربها، وبهذا تتاح الفرصة لكل من أخطأ وأذنب أن يتوب إلى الله سبحانه وتعالى، والتائب من الذنب كمن لا ذنب له، فيخرج من ذنبه بتوبته إلى الله سبحانه وتعالى، ولهذه التوبة ثلاث مراحل: المرحلة الأولى: هي توبة الله على العبد، وهي نور رباني يقذفه الله في قلب المذنب ليرجع عن ذنبه ويعود إلى الله سبحانه وتعالى، وهي توبة الله الأولى على العبد.
المرحلة الثانية: هي توبة العبد نفسه، واستغفاره ورجوعه عمَّا فرط فيه بجنب الله، وندمه على ما مضى، وعزيمته أن لا يعود إلى ذلك الذنب، وإرجاعه للحق إلى مستحقه إن كان ذلك في حقوق العباد، وهذه التوبة هي من فعل المكلف، وهي التي يثاب عليها، وهي الواجبة عليه؛ لأن الأولى هي من فعل الله لا يستطيع العبد التدخل فيها.
المرحلة الثالثة: هي توبة الله الثالثة على العبد، بمعنى: قبوله لتوبته.
والتوبة عمل من الأعمال، والأعمال كلها عرضة للقبول وللرد، فما شاء الله قبله من الأعمال، وما شاء رده وهو الغني الحميد، لا يسأل عما يفعل وهم يسألون، وبذلك إذا رضي الله توبة من عبده فإنه يتقبلها، ويسمى ذلك القبول توبة في عرف الشرع، ولهذا قال الله تعالى: {لَقَدْ تَابَ اللَّهُ عَلَى النَّبِيِّ وَالْمُهَاجِرِينَ وَالأَنصَارِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ فِي سَاعَةِ الْعُسْرَةِ مِنْ بَعْدِ مَا كَادَ يَزِيغُ قُلُوبُ فَرِيقٍ مِنْهُمْ ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ إِنَّهُ بِهِمْ رَءُوفٌ رَحِيمٌ * وَعَلَى الثَّلاثَةِ الَّذِينَ خُلِّفُوا حَتَّى إِذَا ضَاقَتْ عَلَيْهِمُ الأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ وَضَاقَتْ عَلَيْهِمْ أَنفُسُهُمْ وَظَنُّوا أَنْ لا مَلْجَأَ مِنَ اللَّهِ إِلَّا إِلَيْهِ ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ لِيَتُوبُوا} [التوبة:117 - 118]، فهذه توبة الله على العبد ليتوب.